تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار، فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي، وإما أن يكون بشيء قبله، فإن كان به والأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخاً به؟ ومن شروط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان الناسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله).

وأجيب باحتمال أن يكون حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما جاء أولاً فأمروا بالوضوء من لحوم الإبل ثم أمروا بعد ذلك بالوضوء مما مسته عموماً ثم نسخ ذلك بحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه وما شابهه ([54]).

ورد بأن النسخ لا يبنى على الاحتمالات بل من شروطه كما ذكرنا العلم بتأخر الناسخ عن المنسوخ.

وأما الشرط الثاني وهو التعارض بين الناسخ والمنسوخ فغير متحقق للآتي:

أولاً: إن الدليل المدعى فيه النسخ (توضؤوا من لحوم الإبل …) يقرر نفس ما يقرره الدليل الناسخ – عندكم – وهو أن الوضوء مما مست النار غير واجب، وذلك لأن في حديث الوضوء من لحم الإبل (وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها) وفي الرواية الأخرى (أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ).

أما إيجاب الوضوء من لحم الإبل فهذا أمر آخر لا يتعلق بأكل ما مست النار بل هو متعلق بذات لحم الإبل وعينه، فالحديث علق الوجوب بذات لحم الإبل (أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل) أي أن الحديث جعل أكل لحم الإبل ذاته سبباً في إيجاب الوضوء، ولذلك فإنه ينقض الوضوء مطبوخاً (مسته النار) ونيئاً (لم تمسه النار). ([55])

ورد بأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل محمول على أكله مطبوخاً – ما غيرته النار – لأنه الغالب المعهود ([56])، والوضوء مما غيرته النار منسوخ كما ذكرنا.

وأما قولكم إن لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء غيرته النار أم لم تغيره فلا يسلم به لأنه يلزم منه أن يجعل الدليل شاملاً للأكل والمس أيضاً، فلحم الإبل كما أنه غير مقيد بكونه مطبوخاً فانه غير مقيد بالأكل، فإذا جعلتموه شاملاً للمطبوخ والنيء لزم أن تجعلوه شاملاً للأكل والمس، ولم يقل أحد بنقض الوضوء من مس لحم الإبل ([57]).

وأجيب بالآتي:

1 - إن الدليل جاء بصيغة العموم (فتوضأ من لحوم الإبل) إذ هو جمع أضيف إلى معرفة ([58])، وهذا يقتضي أن يعم كل لحم للإبل سواء كان مطبوخاً أو غير مطبوخ.

2 - إذا سلمنا أن الغالب المعهود في أكل لحم الإبل أن يكون مطبوخاً فان سياق الدليل اشتمل على قرينة تخرجه عن الغالب المعهود، ألا وهي أن لحم الغنم مثل لحم الإبل، أي أن الغالب المعهود في أكله أن يكون مطبوخاً، وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من لحم الإبل ولم يأمر به من لحم الغنم فكان هذا قرينة على أن سبب الأمر بالوضوء من لحم الإبل هو ذات اللحم وعينه لا كونه مطبوخاً مسته النار وإلا لكان هو ولحم الغنم سواء في الحكم لاشتراكهما في مسيس النار.

3 - الإلزام بجعل الدليل شاملاً للمس كما هو شامل للأكل بحجة أنه غير مقيد بالأكل قياساً على جعله شاملاً للنيء والمطبوخ بحجة أنه غير مقيد بالطبخ غير مسلم به لأمرين.

أ – ما تقرر في الأصول ([59]) من أن الأعيان لا توصف بالحل والحرمة والوجوب .. وإنما يوصف الفعل المتعلق بها، فإذا وصفت بذلك أضيف الوصف إلى الفعل المتعلق بها عادة وعرفاً، كما قي قوله تعالى} حرمت عليكم أمهاتكم {([60]) أي حرم عليكم نكاحهن، وقوله تعالى} حرمت عليكم الميتة {([61]) أي حرم عليكم أكلها، وهكذا.

والفعل المتعلق بإيجاب الوضوء من اللحم عادة وعرفاً هو الأكل لا اللمس أو غيره، وهذا ما فهمه عامة علماء المسلمين من الدليل فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل لحم الإبل وقائل بعدم النقض من الأكل لا غيره من اللمس والنظر ونحوه، وهذا ما فهمه عامة الصحابة والمسلمين من حديث (توضؤوا مما مست النار) ([62]) فاختلفوا بين قائل بالنقض من أكل ما مسته النار وبين قائل بعدم النقض من أكل ما مسته النار ([63]).

ب- إننا لم نجعل لحم الإبل شاملاً للنيء والمطبوخ لمجرد أنه غير مقيد بالطبخ كما تقررون بل لما سبق ذكره من العموم والقرينة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير