للصلاة، كما رويناه ([107]) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط وأتى بطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال عليه السلام لم أصلى فأتوضأ) ([108]).
ثالثاً- إن النبي عليه السلام لو أراد في الحديث الوضوء للصلاة لقال كما قال ([109]): من جامع
ولو يمن فليتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ([110]).
وأجيب بالآتي:
أ- إن قولكم يقتضي أن ما جاء بلفظ الوضوء في الأحاديث النبوية غير مقيد بهذا القيد فانه لا يحمل على الوضوء الذي للصلاة (الشرعي)، وهذا لا يقول به أحد لأن غالب أحكام الوضوء جاءت في أحاديث مطلقة من القيد السابق.
ب- إن هذا القيد كان منه عليه الصلاة والسلام قبل استقرار وانتشار المعنى الشرعي للوضوء (في أول الإسلام)، يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام ابن خزيمة ([111]) وغيره بسنده عن أبي بن كعب قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون
(الماء من الماء) رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها).
ج- ما سبق من أن لفظ الوضوء حقيقة شرعية في الوضوء الذي للصلاة فلا يعدل عنه عند الإطلاق إلا بدليل.
رابعاً- إن النبي صلى الله عليه وسلم (قال صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، وليس ذلك من أجل أن بين الأمرين فرقاً في باب الطهارة والنجاسة لأن الناس على أحد قولين: أما قائل يرى نجاسة الأبوال كلها، أو قائل يرى طهارة بول ما يؤكل لحمه، والغنم والإبل سواء عند الفريقين في القضيتين معاً.
وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفاراً وشراداً لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار، ومعلوم أن في لحم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه) ([112]).
ويظهر لنا من هذا الدليل ما يلي:
1 - إن النهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأمر بها في مرابض الغنم حكم معلل بالسكون في الغنم والنفار في الإبل.
2 - إن الأمر بالوضوء من لحم الإبل – في نفس الدليل – معلل مثله، والعلة فيه شدة الزهومة في لحم الإبل.
3 - إن العلة المذكورة – شدة الزهومة – تصرف الوضوء من معناه الشرعي (الوضوء للصلاة) إلى معناه اللغوي (النظافة).
وأجب بالآتي:
عدم التسليم بالتعليل في الحكم الأول (النهي عن الصلاة في معاطن
الإبل .. ) لأن الحكم تعبدي ([113])، يؤكد ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه ([114]) عن البراء بن عازب قال:
(… وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشيطان، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة).
· لو سلمنا – جدلاً – بالتعليل المذكور في الصورة الأولى فظاهر أن الحكمين تعاكسا لتعاكس العلة، النفار في الإبل والسكون في الغنم، أما الصورة الثانية (الوضوء من لحم الإبل …) فإن الزهومة علة مشتركة بين لحم الإبل والغنم فافترقت الصورتان.
إن جعل إزالة الزهومة علة للأمر بالوضوء اللغوي (النظافة) يرده أن الشارع فرق في الحكم بين لحم الإبل ولحم الغنم فأمر بذلك في لحم الإبل ولم يأمر في لحم الغنم مع أن إزالة الزهومة (النظافة) مطلوبة في الحالين.
يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) ([115]).
ولا يقال إن في لحم الإبل زيادة زهومة على لحم الغنم لأن ذلك لا يوجب اختصاص الإبل الحكم إذ أنه عليه السلام شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً ([116])، وفي رواية ابن ماجه ([117]):
(إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً). ([118])
ومن هذا العرض للقرائن الصارفة للوضوء عن معناه الشرعي إلى معناه اللغوي والمناقشات الواردة عليها يتضح لنا ضعف هذه القرائن الصارفة وسقوطها، بل إن الدليل المؤول حفت به قرائن تؤكد إرادة المعنى الشرعي للوضوء وتنفي إرادة المعنى اللغوي، ونجمل هذه القرائن في الآتي:
¥