أ- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفة ([182]) قال (حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن أبي سبرة النخعي أن عمر بن الخطاب أكل لحم جزور ثم قام فصلى ولم يتوضأ)، وهذا إسناد ضعيف ([183]).
ب- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ([184]) قال: (حدثنا وكيع عن شريك عن جابر عن عبدالله بن الحسن أن علياً أكل لحم جزور ثم صلى ولم يتوضأ) وهذا إسناد ضعيف ([185]).
ج- ما أخرجه البيهقي في سننه ([186]) بسنده عن أبي جعفر قال: (أتي ابن مسعود بقصعة من الكبد والسنام ولحم الجزور فأكل ولم يتوضأ، وهذا منقطع موقوف).
د- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ([187]) قال (حدثنا عائذ ([188]) بن حبيب عن يحي ([189]) بن قيس قال: رأيت ابن عمر أكل لحم جزور وشرب لبن الإبل وصلى ولم يتوضأ) ([190]).
4 - إن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم بسنده صحيح خلاف ذلك فقد أخرج ابن شيبة في مصنفه ([191]) بسند صحيح ([192]) عن جابر بن سمرة قال: (كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم).
ومعناه: أي كنا جماعة الصحابة نفعل ذلك، لأن الظاهر أن الضمير يعود للجميع فيدل على فعل الجماعة دون بعضهم، فيكون حجة لأنه إجماع ([193]).
قال الإمام الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ([194]):
(إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا … فهو عند الأكثر محمول على فعل الجماعة دون بعضهم، خلافاً لبعض الأصوليين.
ويدل على مذهب الأكثر أن الظاهر من الصحابي أنه إنما أورد ذلك في معرض الاحتجاج، وإنما يكون ذلك حجة أن لو كان ما نقله مستنداً إلى فعل الجميع، لأن فعل البعض لا يكون حجة على البعض الآخر، ولا على غيرهم.
فان قيل: لو كان ذلك مستنداً إلى فعل الجميع لكان إجماعاً، ولما ساغ مخالفته بطريق الاجتهاد فيه، حيث سوغتم ذلك دل على عوده إلى البعض دون الكل.
قلنا: تسويغ الاجتهاد فيه إنما كان لأن اضافة ذلك إلى الجميع وقع ظناً لا قطعاً، وذلك كما يسوغ الاجتهاد فيما يرويه الواحد من الألفاظ القاطعة في الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان طريق اتباعه ظنياً، وإن كان لا يسوغ فيه الاجتهاد عند ما إذا ثبت بطريق قاطع).
الدليل الخامس: القياس على البقر والغنم بجامع أن الجميع حيوان، قال القاضي عبدالوهاب في الإشراف على مسائل الخلاف ([195]): (ولأنه حيوان فلم يجب بأكله الوضوء كالبقر والغنم).
الدليل السادس: القياس على الخبز ونحوه بجامع أنه مأكول، قال القاضي عبدالوهاب في المعونة ([196]): (ولأنه مأكول فأشبه الخبز).
الدليل السابع: القياس على لحم الضأن بجامع أنه لحم، قال الإمام الباجي في المنتقى ([197]):
(لحم فلم يجب بأكله وضوء كلحم الضأن).
وأجيب عن هذه الأقيسة بالآتي:
1 - منع التعليل في الفرع لأن حكمه تعبدي غير معلل، قال الإمام الكلوذاني في الانتصار ([198]): (… الطهارة تعبد شرعي لا يعقل معناه فوقف على ما شرعه الشرع فيه)، وقال الإمام الفتوحي في معونة أولي النهى ([199])
(… الصحيح من المذهب أن الوضوء من لحم الإبل تعبدي وعليه الأصحاب).
2 - لو سلمنا بأن الحكم معلل ([200]) فإن هذا القياس فاسد لأنه يصادم نصاً خاصاً فلا عبرة به، يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين ([201]):
(… الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، …… فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع والمزكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده).
3 - إنه قياس مع الفارق لأن في الفرع (لحم الإبل) قوة شيطانية نارية غير موجودة في الأصل (الخبز ولحم الضأن وغيره من المأكولات المباحة)، والوضوء يطفئ تلك القوة الشيطانية النارية.
يقول العلامة ابن القيم في أعلام الموقعين ([202]):
¥