تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استدل القائلون بالجواز بقاعدة "يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً"، وهي من قواعد الشرع المعروفة، ولها ألفاظ متعددة، ومن أمثلتها جواز بيع العبد مع ماله، فيبيعه سيده بثمن معلوم هو ثمن العبد، وأما مال العبد فهو تابع له، ولو كان هذا المال ليس تابعاً للعبد لم يصح بيعه إلا بشروط الصرف المعروفة، ومثله جواز بيع الحامل سواء أكانت أمة أو حيواناً، مع أن الحمل لا يجوز بيعه استقلالاً، ولكن جاز بيعه هنا تبعاً لأمه المقصودة بالبيع.

وهكذا يمكن أن يقال في الشركات، فيجوز بيع السهم في شركة يتعامل مجلس إدارتها بغير المشروع؛ لأن ذلك يسير ومغمور في حجم الشركة ذات الأغراض المباحة، إذ الغالب على هذه الشركات الاستثمار بطرق مباحة، وما حصل فيها من إقراض أو استقراض بالربا فهو قليل ومغمور، فيجوز تبعاً لا استقلالاً.

مناقشة هذا الدليل:

قاعدة "يثبت تبعاً ما لم يثبت استقلالاً" قاعدة معروفة، عمل بها في كثير من الأبواب الفقهية كما سبق، إلا أن الخطأ هو الاستدلال بها في هذا الموضع، فالمسألة التي يدور الكلام حولها هي شراء أسهم شركة من شركات المساهمة

تتعامل بالربا أو بمعاملات وعقود فاسدة، وإن كان الأصل في أعمالها الحل، ونجد في هذه الصورة أن المساهم حين يشتري سهماً فهو يشترك في كل أعمال الشركة، ومنها الربا، والربا لا يباح مطلقاً، والمساهم لا ينتهي به الحال عند شراء السهم فقط حتى يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، بل سيكون من حين شرائه السهم مشاركاً في أعمال الشركة، ومنها الربا، فهل يقال: يجوز لأحد أن يرابي إذا كان الربا قليلاً؟ أو هل يجوز لأحد أن يستثمر في التعامل بالربا إذا كان تبعاً لا استقلالا؟! لا شك أن التعامل بالربا لا يجوز مطلقاً، إنما تنزل هذه القاعدة على عقود باتّه منتهية، تشتمل على شيء مباح ومحذور تابع لهذا المباح، فيجوز حينئذٍ الشراء، وتنتهي المسألة بانتهاء هذا العقد، يتضح ذلك من خلال الأمثلة التي ذكرها الفقهاء، وسبق لهذه القاعدة أمثلة في الدليل الأول،

دليلهم الثاني:

الأخذ بقاعدة "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة".

وهي قاعدة شرعية لها أمثلة كثيرة، منها جواز بيع العرايا للحاجة العامة مع أن العرايا بيع مال ربوي بجنسه من غير تحقيق التماثل.

قال شيخ الإسلام: "يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها، كما جاز بيع العرايا بالتمر". وقال -رحمه الله-: "الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم".

وقال الزركشي: "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس".

داخل وخارج البلاد، ففي القول وجه الاستدلال بهذه القاعدة:

إن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذا النوع من الشركات وذلك لاستثمار أموالهم فيما لا يستطيعون الاستقلال في الاستثمار فيه؛ وذلك لقلة مدخراتهم، أو لعدم معرفتهم بكيفية تشغيل هذه الأموال، كما أن حاجة الدولة تقتضي تشغيل الثروة الشعبية فيما يعود على البلاد والعباد بالنفع والرخاء، وفيما يحفظ لها أمنها بمنع المشاركة بهذه الأسهم إيقاع أفراد المجتمع في ضيق وحرج، وإحراج الدولة عند حاجتها بحيث ربما احتاجت إلى البنوك الربوية.

قال العز بن عبد السلام: "لو عم الحرام في الأرض بحيث لا يوجد فيه حلال، جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدى إلى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام".

وقاعدة الحاجة مستمدة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}،

ومن السنة أنه -صلى الله عليه وسلم- لما نهى عن قطع الشجر والحشيش من حرم مكة المكرمة

قالوا له - صلى الله عليه وسلم -: ((إنهم يحتاجون الإذخر لأجل سقوف بيوتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إلا الإذخر)).

مناقشة هذا الدليل:

يناقش هذا الدليل من وجهين:

الوجه الأول:

أن جمهور العلماء على خلاف قاعدة "الحاجة تنزل ". منزلة الضرورة". قال في شرح الفرائد البهية: "الأكثر أن الحاجة لا تقوم مقام الضرورة". ويقوي ذلك وجود الاختلاف المعنوي بين حقيقة الضرورة والحاجة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير