ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[16 - 10 - 02, 08:17 م]ـ
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً في مجموع الفتاوى (11/ 407 - 411) في سياق كلامٍ له رحمه الله، قال:
(( ... وأصل ذلك هل يثبت حكم الخطاب فى حق المكلف قبل التمكن من سماعه على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
قيل: يثبت مطلقاً، وقيل: لا يثبت مطلقاً، وقيل: يفرق بين الخطاب الناسخ والخطاب المبتدأ؛ كأهل القبلة.
والصحيح الذى تدل عليه الادلة الشرعية: أن الخطاب لا يثبت فى حق أحد قبل التمكُّن من سماعه ... )) إلى أن قال: ((وكثير من الناس قد ينشأ فى الأمكنة والأزمنة الذى يندرس فيها كثير من علوم النبوات؛ حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك؛ ومثل هذا لا يكفر.
ولهذا اتفق الأئمة على أنَّ من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالاسلام؛ فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة؛ فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول.
ولهذا جاء فى الحديث: ((يأتى على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا؛ إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة؛ يقول: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله وهم لا يدرون صلاة ولا زكاة ولا حجا فقال ولا صوم ينجيهم من النار)).
وقد دل على هذا الأصل ما أخرجاه فى الصحيحين، عن أبى هريرة أن رسول الله قال: ((قال رجل - لم يعجل حسنة قط - لأهله اذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه فى البر، ونصفه فى البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبنه أحداً من العالمين؛ فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟، قال: من خشيتك يا رب، وأنت أعلم فغفر الله له ... )) إلى أن قال: ((فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك.
وكل واحد من انكار قدرة الله تعالى، وانكار معاد الابدان وان تفرقت = كفر؛ لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه = جاهلاً بذلك، ضالاً فى هذا الظن، مخطئاً = فغفر الله له ذلك.
والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شاكاً في المعاد، وذلك كفر؛ إذا قامت حجَّة النبوة على منكره حكم بكفره، وهو بين في عدم ايمانه.
فغاية ما فى هذا: أنه كان رجلاً لم يكن عالماً بجميع ما يستحقه الله من الصفات، وبتفصيل أنه القادر، وكثير من المؤمنين قد يجهل مثل ذلك = فلا يكون كافراً.
ومن تتبع الأحاديث الصحيحة وجد فيها من هذا الجنس ما يوافقه ... )) الخ كلامه رحمه الله.
• وقال ابن القيِّم أيضاً في مدارج السالكين (1/ 217 - 219):
((حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به؛ سواء علم أو جهل.
فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه = فقد قامت عليه الحجة.
والله سبحانه لا يعذب أحداً إلاَّ بعد قيام الحجة عليه؛ فإذا عاقبه على ذنبه = عاقبه بحجته على ظلمه؛ قال الله تعالى: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً))، وقال: ((كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرا قالو بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء)) ... ))، إلى أن قال رحمه الله: (( ... فاقتضى عدله سبحانه أن يسوق هذا العبد إلى ما لا يصلح إلا له، وأن يقيم عليه حجة عدله؛ فإن قدَّر عليه الذنب ظن فواقعه، فاستحق ما خلق له؛ قال الله تعالى: ((وما علمناه الشعر وما ينبغي له • إن هو إلا ذكر وقرآن مبين • لينذر من كان حياً • ويحق القول على الكافرين)).
فأخبر سبحانه أن الناس قسمان:
1 - حي قابل للانتفاع، يقبل الإنذار، وينتفع به.
2 - وميت لا يقبل الإنذار، ولا ينتفع به؛ لأن أرضه غير زاكية، ولا قابلة لخير ألبتة؛ فيحق عليه القول بالعذاب، وتكون عقوبته بعد قيام الحجة عليه؛ لا بمجرد كونه غير قابل للهدى والإيمان، بل لأنه غير قابل، ولا فاعل!
¥