ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[17 - 10 - 02, 11:35 م]ـ
• قال أبو عمر السمرقندي، عامله الله بلطفه الخفي:
• هذا تلخيص (لما فهمته) من كلام أهل العلم المتقدِّم سرده، وقد قعَّدته في قواعد، وقد يزلُّ الفهم ويطيش الدرَك أحياناً؛ فالمأمول من طلاَّب العلم التنبيه عليه دون تأخير، وبالله نستعين ونبدأ:
(1): القاعدة الأولى: أن قيام الحجَّة الرسالية يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص.
• فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان.
• وفي بقعة وناحية دون أخرى.
• كما أنها تقوم على شخص دون آخر؛ إما لعدم عقله وتمييزه، كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه؛ كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له؛ فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً، ولا يتمكن من الفهم.
• وبيان هذا: أنَّ كثيراً من الناس قد ينشأ فى الأمكنة والأزمنة الذى يندرس فيها كثير من علوم النبوات؛ حتى لا يبقى من يبلِّغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك.
ولهذا اتفق الأئمة على أنَّ من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، أوكان حديث العهد بالاسلام؛ فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المعلومة المتواترة؛ فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول.
ولهذا جاء فى الحديث: ((يأتى على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا؛ إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة؛ يقول: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله وهم لا يدرون صلاة ولا زكاة ولا حجا فقال ولا صوم ينجيهم من النار)).
وأقرب ما يضرب لهذا مثلاً: قصة المرأة التي زنت زمن خلافة عمر رضي الله عنه فأمر برجمها، فسألها علي رضي الله عنه فتبيَّن أنها جاهلةٌ بحرمته، وأنَّها تظنُّه حلالاً، فأخلى سبيلها.
ومن الجهل: الجهل بمدلول النصوص؛ وذلك بتأوُّل بعض الأدلَّة واستباحة بعض الأمور بها مما تُعلَم حرمته شرعاً علماً ضرورياً، فهذا جهلٌ أيضاً، لكنه بمدولات النصوص الدالة على حرمة الشيء لا بالنص نفسه.
وهذا كما حصل في زمن خلافة عمر بين الخطاب رضي الله عنه عندما استباح قدامة بن مظعون وأصحابه الخمر، مع كونه معلوماً تحريمه عند الصحابة ومن أسلم بعدهم حينئذٍ؛ لكنهم تأوَّلوا آية: ((ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناج فيما طعموا .. )) الآية.
(2): القاعدة الثانية: أنَّ شرط إقامة الحجة لا يكون في كل الأشياء، بل ذلك في الأمور التي يخفى دليلها، من حيث الثبوت والدلالة، فلا بد من إيضاح الحجة بالبيان الكافي.
ثم بعدها يكفر؛ سواءٌ فهِمَ، أو قال: لم أفهم، أوفهم وأنكر مغالطة وجحوداً.
وأمَّا ما عُلِمَ بالضرورة - من أمور الدين - أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم جاء به، فجاء من خالفه؛ فهذا يكفر بمجرَّد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريفٍ؛ دون تفريق بين الأصول والفروع، كل ذلك سواءٌ.
• وهذه القاعدة متلازمة مع القاعدة الأولى تلازماً تاماً.
(3): القاعدة الثالثة: أنَّه لابد في قيام الحُجَّة الرسالية إقامة الدليل والبرهان عليها وردِّ الشبهة عنها بالبيان الكافي الواضح، قال تعالى: ((وما أرسلنا من رسولٍ إلاَّ بلسان قومه ليبيِّن لهم فيضلُّ الله من يشاء ويهدي من يشاء)).
ولكن .. ليس المراد بإفهامها أن يفهمها الإنسان فهماً جليَّاً لا تبقى عنده فيها مرية ولا شك؛ كما يفهما مَن هداه الله ووفَّقه وانقاد لأمره، كأبي بكر الصديِّق رضي الله عنه مثلاً!
بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيءٍ يعذر به = فهو كافرٌ، فالكفار قد قامت عليهم حجَّة الله، مع قول الله تعالى: ((وجعلنا على قلوبهم أكنَّةً ان يفقهوه)) وقوله: ((إنَّ شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون))، وقوله تعالى: ((وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ)).
(4): القاعدة الرابعة: أنَّ الحجة الرسالية لا تقوم إلاَّ بمن يُحسِنُ إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها؛ كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه، فلا يُحسن الاستدلال وعرض الدليل وإفهامه، ولا ماذكره العلماء في ذلك؛ فإنه لا تقوم به الحجَّة.
¥