(5): القاعدة الخامسة: أنَّ الحجَّة الرسالية تقوم حق القيام على كثيرٍ ممن لا يؤمن بها بعدُ، لعدم إرادة الله توفيقه للهداية؛ إذ قدَّر سبحانه وتعالى ذلك في قضائه النافذ، فحجَّته قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم البيان التام، وإراءتهم الصراط المستقيم؛ حتى كأنهم يشاهدونه عياناً، وإقامة أسباب الهداية ظاهراً وباطناً، وعدم الحيلولة بينهم وبين تلك الأسباب.
• فيقطع الله عنهم توفيقه ولا يريد إعانتهم، والإقبال بقلوبهم إليه: ((ومن يُرِد ان يضلَّه يجعل قلبه ضيِّقاً حرجاً كأنما يصعَّدُ في السماء))؛ ذلك عقوبةً لهم على عنادهم واستكبارهم وتعنُّتهم؛ فهو لم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، ولكنه حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه - وهو فعله ومشيئته وتوفيقه - فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي منعوه، وحيل بينهم وبينه، إنفاذاً للقضاء النافذ، قال تعالى: ((كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين))، وقال: ((وما كان ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون))، كل ذلك لأنه: ((وتمَّت كلمة ربِّك لأملئنَّ جهنَّم من الجِنَّة والناس أجمعين)).
• وأسباب حرمان الهداية والتوفيق، وعدم الانتفاع بالحجج ثم استحقاق الوعيد عليها = أمور كثيرة؛ أبرزها ما يلي:
1 - الأول: الإعراض عن الحجَّة؛ بعدم سماعها، أو عدم إرادتها، أوالتلهِّي عنها، ومنه قوله: ((وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون))، وقوله: ((بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون))، وهو ما يوصف بكفر الإعراض.
2 - الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها؛ وهو ما يوصف بكفر العناد.
ومنه التغابي ودعوى عدم فهمها؛ ومنه قوله: ((قالوا يا شعيب ما نفقهُ كثيراً مما تقول))، وقوله: ((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوَّاً)).
• قال أبو عمر السمرقندي عفا الله عنه:
• ومن باب الأمانة فإني أُحيل القرَّاء إلى ما رجعت إليه من الكتب، سواءٌ في النقول السالفة، أو في بعض القواعد التي اقتبستها ثم أعدت صياغتها وترتيبها:
1 - نواقض الإيمان الاعتقادية، تأليف: د. محمد عبدالله الوهيبي.
2 - نواقض الإيمان القولية والعملية، تأليف: د. عبدالعزيز آل عبداللطيف.
3 - ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة، تاليف: د. عبدالله القرني.
4 - العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، تأليف: مدحت آل فرَّاج.
• وأكرِّر وأعيد: نرجو من الأخوة الإفادة العاجلة - بعد التأني والتمعُّن في القراءة - بما يوجد من ملحوظات على ما تقدَّمت صياغته من القواعد.
• والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[18 - 10 - 02, 01:30 ص]ـ
أسأل الله أن يثيبك هنا تنبيهان
الأول:
أن الحجة الرسالية قد تقوم بمن لا يحسن إقامتها، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، لأنَّ العبرة بنفس الحجَّة، لا بناقلها.
نعم لو قيل: لا تقوم الحجّة إلاّ على الهيئة التي يبلّغها من يحسنها، والمراد أقل ما يحصل به البلاغ.
الثاني:
أنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وعامة أئمة الدعوة النجدية، يفرّقون بين العذر بالجهل وبعدم قيام الحجة.
فمن خالف الأصول الظاهرة للإسلام، والمعاقد التي هي أسس التوحيد، وأصل الدين، فلا يعذرُ بجهله، وإنَّما يُعذرُ من لم تبلُغه الحجّة أصلاً.
وبعض المواضع التي تكلمت عنها -وفقك الله- كانت في العذر بالجهل، لا في العذر بعدم قيام الحجة.
وليتك رجعت إلى كتاب العذر بالجهل للإمام إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ط. دار طيبة، ففيه فوائد، وتأصيل يعزُّ وجوده في غيره.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[18 - 10 - 02, 12:11 م]ـ
أخي الفاضل: الذي أطاع الله، نسأل الله أن يوفِّقنا جميعاً للثبات على طاعته .. ههنا ثلاث أمور:
1 - أما النقطة الأولى؛ وهي قضية المقيم للحجَّة مَنْ يكون، فالحقُّ ما ذكرته، لكن المقصود من كلامي السابق هو التأهُّل في القضيَّة التي يراد إقامة الحجَّة فيها، وليس التأهُّل التام الذي يكون صاحبه محيطاً بجملةٍ مستكثرةٍ من العلم خلاف عامة الناس.
وبيان هذا: أنه لا يُتصوَّر أن يقيم رجلٌ حجَّةً في قضيَّةٍ بعينها - ولتكن حرمة دعاء الأموات مثلاً - وهو لا يحفظ دليلها، أولا يمكنه ردَّ الشبهة المثارة حولها.
فهو وإن كان عامياً في العلم عامةً؛ لكنه متأهِّلٌ في تلك المسألة؛ بصرف النظر عن فهمه لبقيَّة مسائل العلم، فذاك ليس ضرورياً آنئذٍ.
2 - وأما قضية التفريق بين إقامة الحُجَّة بفهمها وبين العذر بالجهل فهذا ظاهرٌ بيِّن كما ذكرتم بارك الله فيكم.
لكن .. ألست معي أنَّ هناك صلة وثيقة بين إقامة الحجَّة وبين العذر بالجهل، ولعلَّ هذا هو الذي دعاني لنقل النقول المستفيضة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فهو وأئمة الدعوة وغيرهم يجعلون تلازماً وصلة بين الأمرين.
وتوضيح هذا: أنَّ الحجَّة لا تقوم لمن لم تبلغه، وهو المعذور بالجهل؛ إن كان معذوراً في جهله ذاك، وهو الذي وضحَّته في النقطة الثانية؛ وذكرت أنًَّه لا يشترط إقامة الحجَّة في كل المسائل حتى الظاهر منها، وهذا يختلف باختلاف المكان والزمان والأشخاص، وهو الذي بيَّنته في النقطة الأولى.
ولعلَّ في هذا توضيحاً لما ذكرت، فإن كان غير ذلك فأرجو التوضيح بارك الله فيك!
3 - وأما الكتاب الذي ذكرته - وفقك الله - فهو ليس في متناولي الآن؛ لكن هل لك أن تنقل إلينا - من غير كلَفةٍ - شيئاً منه له أهميَّةٌ في هذا الموضوع ههنا، ولك جزيل الأجر والمثوبة من الله تعالى.
? ثم إنَّ تلّقبكم باسم (الإخوان الموحِّدين): من طاع الله = تدلُّ على كثرة قراءتك لكتب أئمتهم كشيخ الدعوة وتلاميذه وأبنائه.
فلعلَّ في ذلك إثراءً لملتقى المحدِّثين، بارك الله فيكم وجزاكم خيراً.
¥