تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إما لمرض أو سفر كما يجيزه بين الظهر والعصر , فلو كان بينهما وقت ليس منهما لما جاز الجمع بينهما , كما لا يجوز الجمع بين الفجر والظهر إذا كان بينهما وقت ليس منهما. فإن قيل: ليس علة الجمع تجاور الوقتين ; لأنه لا يجمع المغرب إلى العصر مع تجاور الوقتين. قيل له: لم نلزمه أن يجعل تجاور الوقتين علة للجمع , وإنما ألزمناه المنع من الجمع إذا لم يكن الوقتان متجاورين ; لأن كل صلاتين بينهما وقت ليس منهما لا يجوز الجمع بينهما والله أعلم بالصواب. ذكر القول في الشفق والاحتجاج له. قال أبو بكر: لما اختلف الناس في الشفق , فقال منهم قائلون: " هو الحمرة " وقال آخرون: " البياض ". علمنا أن الاسم يتناولهما ويقع عليهما في اللغة لولا ذلك لما تأولوه عليهما ; إذ كانوا عالمين بمعاني الأسماء اللغوية والشرعية ألا ترى أنهم لما اختلفوا في معنى القرء فتأوله بعضهم على الحيض وبعضهم على الطهر ثبت بذلك أن الاسم يقع عليهما؟ وإنما نحتاج بعد ذلك إلى أن نستدل على المراد منهما بالآية. وحدثنا أبو عمر غلام ثعلب قال: سئل ثعلب عن الشفق ما هو؟ فقال: البياض ; فقال له السائل: الشواهد على الحمرة أكثر , فقال ثعلب: إنما يحتاج إلى الشاهد ما خفي فأما البياض فهو أشهر في اللغة من أن يحتاج إلى الشاهد. قال أبو بكر: ويقال إن أصل الشفق الرقة , ومنه يقال ثوب شفق , ومنه الشفقة وهي رقة القلب. وإذا كان أصله كذلك فالبياض أخص به ; لأنه عبارة عن الأجزاء الرقيقة الباقية من ضياء الشمس , وهو في البياض أرق منه في الحمرة ; ويشهد لمن قال بالحمرة قول أبي النجم: حتى إذا الشمس اجتلاها المجتلي بين سماطي شفق مهول فهي على الأفق كعين الأحول ومعلوم أنه أراد الحمرة ; لأنه وصفها عند الغروب. ومما يحتج به للبياض قوله تعالى: {فلا أقسم بالشفق} , قال مجاهد: " هو النهار ". ويدل عليه قوله: {والليل وما وسق} فأقسم بالليل والنهار , فهذا يوجب أن يكون الشفق البياض ; لأن أول النهار هو طلوع بياض الفجر , وهذا يدل على أن الباقي من البياض بعد غروب الشمس هو الشفق ومما يستدل به على أن المراد البياض قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} , وقد بينا أن الدلوك اسم يقع على الغروب , ثم جعل غسق الليل غايته. وروي عن ابن عباس في غسق الليل: " أنه اجتماع الظلمة " وذلك لا يكون إلا مع غيبوبة البياض لأن البياض ما دام باقيا فالظلمة متفرقة في الأفق فثبت بذلك أن وقت المغرب إلى غيبوبة البياض , فثبت أن المراد البياض. فإن قيل: روي عن ابن مسعود وأبي هريرة أن غسق الليل هو غروب الشمس. قيل له: المشهور عن ابن مسعود أن دلوك الشمس هو غروبها , ومحال إذا كان الدلوك عنده الغروب أن يكون غسق الليل غروب الشمس أيضا ; لأن الله تعالى قال: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فجعل الدلوك أول الوقت وغسق الليل آخره , ويستحيل أن يكون ما جعله ابتداء هو الذي جعله غاية وإذا كان ذلك كذلك فالراوي عن ابن مسعود أن غسق الليل هو غروب الشمس غالط في روايته , ومع ذلك فقد روي عن ابن مسعود رواية مشهورة أن دلوك الشمس غروبها وأن غسق الليل حين يغيب الشفق ; وهذه الرواية مستقيمة على ما ثبت عنه من تأويل الآية. وقد روى ليث عن مجاهد عن ابن عباس: " أن دلوك الشمس حين تزول إلى غسق الليل حين تجب الشمس " , وهذا غير بعيد على ما ثبت عنه في تأويل الدلوك أنه الزوال ; إلا أنه قد روى عنه مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر عن ابن عباس أنه كان يقول: " غسق الليل اجتماع الليل وظلمته " , وهذا ينفي أن يكون غسق الليل وقت الغروب , من قبل أن وقت الغروب لا يكون ظلمة مجتمعة. وقد روي عن أبي جعفر في غسق الليل أنه انتصافه , وعن إبراهيم: غسق الليل العشاء الآخرة. وأولى هذه المعاني بلفظ الآية اجتماع الظلمة وذهاب البياض وذلك ; لأنه لو كان غسق الليل هو غروب الشمس لكانت الغاية المذكورة للوقت هي وجود الليل فحسب , فيصير تقدير الآية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى الليل ; وتسقط معه فائدة ذكر الغسق مع الليل. ولما وجب حمل كل لفظ منه على فائدة مجددة وجب أن يكون غسق الليل قد أفاد ما لم يفدناه لو قال: إلى الليل ; فتكون الفائدة فيه اجتماع الظلمة دون وجود الليل عاريا من اجتماعها. ومما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير