فحصر النبي صلى الله عليه وسلم أعياد الإسلام في هذين اليومين ونهى عن غيرهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما»، يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما وقوله: «خيراً منهما» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.
وأيضاً فقوله لهم: «إن الله قد أبدلكم» لما سألهم عن اليومين فأجابوه بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية، دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية".
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقوّلت الأنصار يوم بعاث. قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالدلالة من وجوه:
أحده: قوله: «إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا». فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم كما أن الله سبحانه لما قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}، وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا} أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم وذلك أن اللام تورث الاختصاص.
الثاني: قوله: «وهذا عيدنا» فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه.
قلت: وثمة أدلة أخرى أيضاً غير هذه تدل على النهي عن إحداث عيد آخر سوى العيد الذي شرعه الله تعالى لهذه الأمة تركت ذكرها طلباً للاختصار.
وحسبك من ذلك الحديث المشهور: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
فهو أصل في رد كل المحدثات في الدين ومنها الأعياد الزمانية والمكانية.
وبيان ذلك: أن الأعياد بأنواعها هي من شعائر الدين حتى الأعياد المدنية فيشملها هذا الحديث بخلاف العادات الأخرى المخترعة كالصناعات ونحوها فإنها لا تدخل في النهي بل الأصل فيها الإباحة، والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: النهي عن التشبه بالكفار في أعيادهم.
وتواترت الأدلة الشرعية أيضاً، على النهي عن مشابهة الكفار في شيء من أمور دينهم، ومنها أعيادهم.
والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر منها ما هو في النهي عن مطلق التشبه بهم ومنها ما يختص بأمور معينة ومنها ما ورد في خصوص الأعياد.
[1] فأما القسم الأول، وهو النهي عن مطلق التشبه بهم فمن أدلته قول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] فأخبر الحق سبحانه أنه جعل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته.
وأهواؤهم: هي ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا عظيماً ليحصل ذلك.
وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] فنهى سبحانه عن مشابهة اليهود والنصارى الذين تفرقوا واختلفوا فصاروا أحزاباً وشيعاً فجنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع. وكلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها وهذه مصلحة جليلة.
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد جاءت السنة مقررة لما في القرآن:
فمن ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
قال شيخ الإسلام: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم".
¥