ومن ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم» قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»؟
ونحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كفارس والروم؟ فقال: «ومن الناس إلا أولئك».
قال ابن بطال: "أعلم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس وأن الدين إنما يبقى قائماً عند خاصة من الناس".
وقال شيخ الإسلام: "وهذا كله خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات".
فعُلم أن مشابهتها اليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله وهو المطلوب.
[2] وأما القسم الثاني، وهو النهي عن مشابهتهم في أمور مخصوصة، فقد تواترت الأدلة على معناه وهو الأمر بمخالفتهم ومن ذلك:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم».
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى».
وحديث شداد بن أوس رضي الله عنه: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم».
[3] وأما القسم الثالث وهو ما ورد في النهي عن التشبه بهم في أعيادهم فسأنقل هنا خلاصة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث عقد فصلاً في كتابه الماتع "اقتضاء الصراط المستقيم" قال فيه: "إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم فنقول: موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول:
العام: هو ما تقدم، من أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا ولا عادة سلفنا فيكون فيه مفسدة موافقتهم وفي تركه مصلحة مخالفتهم حتى لو كان موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً ليس مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم لما في مخالفتهم من المصلحة كما تقدمت الإشارة إليه فمن وافقهم فوت على نفسه هذه المصلحة وإن لم يكن قد أتى بمفسدة فكيف إذا جمعهما؟
ومن جهة أنه من البدع المحدثة، وهذه الطريق لا ريب أنها تدل على كراهة التشبه بهم في ذلك فإن أقل أحوال التشبه بهم أن يكون مكروهاً وكذلك أقل أحوال البدع أن تكون مكروهة ويدل كثير منها على تحريم التشبه بهم في العيد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقاً.
وكذلك قوله: «خالفوا المشركين» ونحو ذلك ومثل ما ذكرنا من دلالة الكتاب والسنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم والضالين وأعيادهم من سبيلهم إلى غير ذلك من الدلائل.
وأما الطريق الثاني الخاص في نفس أعياد الكفار: فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار.
أما الكتاب: فمما تأوله غير واحد من التابعين وغيرهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} [الفرقان:72] فروى أبو بكر الخلال في الجامع بإسناده عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: "هو الشعانين".
وكذلك ذكر عن مجاهد قال: "هو أعياد المشركين" وكذلك عن الربيع بن أنس قال: "أعياد المشركين".
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده؟
ثم مجرد هذه الآية فيها الحمد لهؤلاء والثناء عليهم وذلك وحده يفيد الترغيب في ترك شهود أعيادهم وغيرها من الزور ويقتضي الندب إلى ترك حضورها وقد يفيد كراهة حضورها لتسمية الله لها زوراً.
فأما تحريم شهودها من هذه الآية ففيه نظر. ودلالتها على تحريم فعلها أوجه، لأن الله تعالى سماها زوراً، وقد ذم من يقول الزور، وإن لم يضر غيره لقوله في المتظاهرين {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة:2].
¥