أَبِي حَنِيفَةَ , إلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى الْقَصْرَ إلَّا فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَقَالَ: مَتَى كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْكَنِهَا دُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ , فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ إلَى مَقْصِدِهَا , وَالِاعْتِدَادُ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ , وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ , وَفِي مَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُهَا الْإِقَامَةُ فِيهِ , لَزِمَهَا الْإِقَامَةُ , وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ , مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ فَارَقَتْ الْبُنْيَانَ , فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالتَّمَامِ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَوْضِعٍ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِيهِ , وَهُوَ السَّفَرُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ قَدْ بَعُدَتْ. وَلَنَا , عَلَى وُجُوبِ الرُّجُوعِ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً , مَا رَوَى سَعِيدٌ , ثنا جَرِيرٌ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ , نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ , فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ , حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ. وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلهَا قَبْلَ أَنْ يَبْعُدَ سَفَرُهَا , فَلَزِمَهَا , كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ الْبُنْيَانَ. وَعَلَى أَنَّ الْبَعِيدَةَ لَا يَلْزَمُهَا الرُّجُوعُ ; لِأَنَّ عَلَيْهَا مَشَقَّةً وَتَحْتَاجُ إلَى سَفَرٍ فِي رُجُوعِهَا , فَأَشْبَهَتْ مَنْ بَلَغَتْ مَقْصِدَهَا. وَإِنْ اخْتَارَتْ الْبَعِيدَةُ الرُّجُوعَ , فَلَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَصِلُ إلَى مَنْزِلهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا , وَمَتَى كَانَ عَلَيْهَا فِي الرُّجُوعِ خَوْفٌ أَوْ ضَرَرٌ , فَلَهَا الْمُضِيُّ فِي سَفَرِهَا , كَمَا لَوْ بَعُدَتْ , وَمَتَى رَجَعَتْ , وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا شَيْءٌ , مِنْ عِدَّتِهَا , لَزِمَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا , بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَهَا الِاعْتِدَادُ فِيهِ , فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُسَافِرْ مِنْهُ.
(6405) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهَا حِجَّةُ الْإِسْلَامِ , فَمَاتَ زَوْجُهَا , لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي الْمَنْزِلِ تَفُوتُ , وَلَا بَدَلَ لَهَا , وَالْحَجُّ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْعَامِ. وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ إحْرَامِهَا بِحَجِّ الْفَرْضِ , أَوْ بِحَجِّ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِيهِ , نَظَرْت ; فَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْحَجِّ مُتَّسِعًا , لَا تَخَافُ فَوْتَهُ , وَلَا فَوْتَ الرُّفْقَةِ , لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ , فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا , وَإِنْ خَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ , لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ ; لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ , فَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُنْشِئَ سَفَرًا , كَمَا لَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا. وَلَنَا , أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُوبِ , وَضِيقِ الْوَقْتِ , فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ مِنْهُمَا , كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَسْبَقَ ; وَلِأَنَّ الْحَجَّ آكَدُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ , وَالْمَشَقَّةُ بِتَفْوِيتِهِ تَعْظُمُ , فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ بَعُدَ سَفَرُهَا إلَيْهِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا , وَخَشِيَتْ فَوَاتَهُ , احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لَهَا الْمُضِيُّ إلَيْهِ ; لِمَا فِي بَقَائِهَا فِي الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ , وَاحْتُمِلَ أَنْ يَلْزَمَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَسْبَقُ ; وَلِأَنَّهَا فَرَّطَتْ وَغَلِطَتْ عَلَى نَفْسِهَا , فَإِذَا قَضَتْ الْعِدَّةَ , وَأَمْكَنَهَا السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ , لَزِمَهَا ذَلِكَ , فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ , وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ , وَحُكْمُهَا فِي الْقَضَاءِ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ , وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا السَّفَرُ , فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ , كَاَلَّتِي يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا مِنْ السَّفَرِ. وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَذَلِكَ , إذَا خِيفَ فَوَاتُ الرُّفْقَةِ أَوْ لَمْ يُخَفْ).