و حقيقة الحب في الله كما قال يحيى بن معاذ: (أن لا يزيد بالبر و لا ينقص بالجفاء).
[تفسير كلمة التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ضمن مجموعة المؤلفات الكاملة): 1/ 363].
3) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (من أطاع الرسول، و وحد الله، لا يجوز له موالاة من حاد الله و رسوله، و لو كان أقرب قريب، و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم).
[ثلاثة الأصول، للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ضمن مجموعة المؤلفات الكاملة): 1/ 183، و ثلاثة مسائل، له أيضاً: 1/ 375].
فمن الكتاب قوله تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حادّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [المجادلة: 22].
4) و الآية دالة على قطع حبال المودة بين من آمن بالله و اليوم الآخر، و بين من حادّ الله و رسوله، و لو كان من أقرب المقرّبين، و هذه الآية الكريمة تنزل على أهل البدع و الأهواء فيلزم منها بغضهم و معاداتهم، و عدم التودد إليهم، لأن في الابتداع محادّة لله و رسوله، فما من بدعة إلا و هي مصادمة للشريعة، مخالفة لها، حتى قال السيوطي رحمه الله في تعريفها: (البدعة عبارة عن فعلة تصادم الشريعة بالمخالفة، أو توجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان).
[الأمر بالاتباع، للسيوطي، ص: 24].
و هذا هو معنى المحادّة المذكورة في الآية الكريمة.
و قد فهم السلف الصالح منها ما فهمنا، قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: (استدل مالك رحمه الله بهذه الآية على معاداة القدريّة، و ترك مجالستهم. روى أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية، و عادهم في الله، لقوله تعالى: (لا تجد قوماً) الآية).
[الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 17/ 308].
5) أما في السنة، فقد ورد غير حديث مدللاً على اقتضاء الشرع الحنيف الموالاة في الله، و معاداة المبتدعة و أهل الأهواء و البراءة منهم، فعن أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ».
[الحديث أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان) و مسلم (كتاب الإيمان، باب خصال من اتصف بهن، برقم 43) و أحمد في المسند (3/ 103، 174،230) و ابن حبان في صحيحه (285) و الترمذي (2624) و لبن ماجة (4033) و غيرهم].
فإذا تقرر وجوب أن يكون الحب في الله و لله، عُلم ضرورةً خطر محبة المبتدع أو موالاته، لأنّها محبة لغير الله.
و لا يقول عاقل: إنّ حب المبتدع - على ما فيه من مخالفةٍ و محادّةٍ للشرع – حبٌّ لله تعالى!!
6) و عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ».
[الحديث رواه الترمذي (521) و قال: هذا حديث حسن، و الحاكم (2/ 164) و صححه و وافقه الذهبي، و للحديث طريق أخرى عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، بدون قوله (أنكح لله) رواه أبو داوود (4681) و الطبراني في المعجم الكبير 8/ 159،208، و البغوي في شرح السنّة، و الخطيب في المشكاة.
و صحح الألباني الحديث بمجموع الطريقين. انظر: السلسلة الصحية (380)].
قلتُ: فإن يكن المرء لا يستكمل الإيمان حتى يبغض في الله، كان عليه أن يبغض الكفرة و المبتدعة و العصاة في الله، لأن الكفر و الابتداع و المعصية أسباب البغض في الله، كما تقدم.
و على ضوء ما دلت عليه نصوص الكتاب و السنة قرر أهل العلم أتباع السنّة تنزيل قاعدة (الولاء و البراء) على أهل البدع و الأهواء.
و نستعرض في الرسالة القادمة أقوال العلماء في أهل البدع و الأهواء و الخرافات من لم يكونوا على مذهب أهل السنة و الجماعة - و إن زعموا - و أختم بهذه المقولة:
¥