في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصاً، وتعظيمها ترك ملابستها".
فإذا تقرر هذا بقي الحديث عن الضابط الذي يعرف به الفعل هل هو من التعظيم للحرمات أو الشعائر أم لا؟
وبيانه أن الفعل إما أن يكون مأثوراً عن السلف فعله أو تركه، أو لايكون.
فإن لم يكن فإما أن يكون للقياس فيه مدخل أو لايكون.
فإن لم يكن للقياس فيه مدخل فإما أن يدل العقل أو العرف أو تدل اللغة على أنه من جملة التعظيم أو لايدل.
فأما إن أثر شيء عن السلف –فعل أو ترك- فرأيهم خير لنا، وفهمهم مقدم على فهمنا، ولاسيما إن كانوا من جملة القوم الذين شهدوا الوحي، وعاينوا التنزيل، وعاش بينهم صاحب الوحي المُسَدَّد المُسَدِّد صلى الله عليه وسلم.
وأما إن لم يؤثر عن الصدر الأول شيء فينظر هل للفعل في القياس مدخل أو هو عبادة محضة، ليس للقياس فيها مدخل؟ فمن أمثلة الذي ليس للقياس فيه مدخل، القول بتقبيل بقية أركان البيت تعظيماً، قياساً على ما ثبت بالتوقيف وهو تقبيل الحجر الأسود الذي لاينفع ولايضر بذاته، ولم تجر عادة تعظيم الجمادات بتقبيلها، كما أن التقبيل ليس طريقاً للتعظيم مطرداً بل قد يكون وقد لايكون، ولذا كان تقبيل الحجر الأسود عبادة محضة، كعدد الصلوات وتحديد شهر رمضان دون غيره بالصيام ونحو ذلك مما لاتدرك علته فلايمكن القياس عليه.
فإن كان للقياس فيه مدخل بأن أمكن إلحاقه بحكم شرعي ظاهر العلة ثبت أنه تعظيم ألحق به.
كقول من قال بجواز الصلاة لبعض الآيات كالزلازل قياساً على الكسوف أو الاستسقاء الذي شرع لأجل طلب رزق أو دفع ضر، مع اندراجه في عمومات الشريعة المرشدة إلى الفزع إلى الصلاة، والصحيح أنه لم يثبت في صلاة الزلزلة شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، والله أعلم.
وكذلك قول بعضهم بجواز إخراج زكاة الفطرة بقيمتها النقدية قالوا لاعتبار المعونة فيها والمال قد يكون أجدى في تحقيقها.
وأظهر من هذا المثل بل أصح الهدية، كالقول باستحسان إهداء عرض معين وتفضليه على غيره وإن كان أقل ثمناً أو قيمة، إذا كان أكثر تعبيراً عن علتها كالمحبة إذا كانت هي الدافع للإهداء، أو الصداقة أو غيرهما، والقول بمنع إهداء شيء بعينة إن كان يعود على التحاب بالإبطال.
ومن الأمثلة التي تتعلق بموضعنا (تعظيم كتاب الله جل وعلا) وضع المصحف على وسادة أو حامل أو نحوهما مما يمنع مباشرته الأرض، قياساً أولوياً على وضع التوارة في الكرسي كما جاء في الأثر وقد صححه جمع من أهل العلم.
أو القول بجواز تقبيله قياساً بوضعه على الوجه كما رُوي عن عكرمة. أما قياسه على تقبيل رأس الوالد تعظيماً له فمحتمل، لأن تقبيل رأس الوالد طريق يشعر به الولد والده بتعظيمه إياه، ويستدل به الوالد على تعظيم ابنه له. إلاّ أنه قد يقال ينبغي أن يكون التقبيل لليد أو الرأس إجلالاً وتعظيماً عند من يعقل معناه، لا من عداه، ويشكل عليه تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون –رضي الله عنه- لما مات، وتقبيل أبوبكر –رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم لما مات، وقد يجاب عليه بأن العرف جرى بأن تقبيل الصالح أو من له حق فضلاً عن النبي من جملة إجلاله، أو هو من قبيل الشفقة كما في فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعثمان، أو التبرك كما فعل أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو هو خاص بمن يبلغه السلام حياً وميتاً عليه الصلاة والسلام.
وفرق بين بني آدم وسائر السائمة والجمادات وإن جلت، ولعله لأجل هذا المعنى قال عمر رضي الله عنه قولته المشهورة عند تقبيله الحجر الأسود إذ هي محض عبادة. وكذلك إنكار ابن عباس على معاوية رضي الله عنهما تقبيله بقية الأركان.
ومن نحو ذلكً وضع المصحف على العينين، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: "وعنه التوقف فيه [يعني التقبيل] وفي جعله على عينيه قال القاضي في الجامع الكبير إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك. وكذلك معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس, فقال: ليس في البيت شيء مهجور. فقال: إنما هي السنة. فأنكر عليه الزيادة على
¥