وهذه الصفة ليست مرادة قطعاً بقوله تعالى (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً) الفرقان 63.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها:
(هَوْناً):أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار كقوله تعالى "ولا تمش في الأرض مرحا" الآية فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ولا أشر ولا بطر وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له.
وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا فقال ما بالك أأنت مريض؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة.
وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار.
وقد روى الإمام أحمد من حديث ابن عباس: (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى مشى مجتمعاً , ليس فيه كسل) , ورواه البزار أيضاً , وسنده صحيح , وله شاهد عن أبي الحكم مرسلاً , وراه سعد.
حديث مفترى ملحون
76 - (الناس كلهم موتى , إلا العالمون , والعالمون كلهم هلكى , إلا العاملون , والعاملون كلهم غرقى , إلا المخلصون , والمخلصون على خط عظيم) موضوع.
أورده الصنعاني وقال: (وهذا الحديث مفترى ملحون , والصواب في الإعراب: "العالمين" , و "العاملين" , و "المخلصين").
قلت: وهو شبيه بكلام الصوفية , ومثله قول سهل بن عبدالله التستري: (الناس كلهم سكارى إلا العلماء , والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه).
رواه الخطيب في "اقتضاء العلم العمل" , ثم روى من طريق أخرى عنه قال: (الدنيا جهل وموات إلا العلم , والعلم كله حجة إلا العمل به , والعمل كله هباء إلا الإخلاص , والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به).
قلت: وهذا أقرب إلى هذا الحديث , فلعله هو أصله , رفعه بعض جهلة الصوفية.
عدم التساهل برواية الأحاديث ونسبتها إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
125 - (سوء الخلق ذنب لا يغفر , وسوء الظن خطيئة تفوح) باطل لا أصل له.
وقد أورده الغزالي جازماً بنسبة إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا جاز أن يخفى عليه بطلانه من الناحية الحديثية , فلست أدري كيف خفي عليه بطلانه من الناحية الفقهية؟ فإن الحديث معارض تمام المعارضة لقوله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) النساء 48.
ولعل في هذا عبرة لمن يتساهلون برواية الأحاديث , ونسبتها إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , دون أن يتثبتوا من صحتها على طريقة المحدثين , جزاهم الله عن المسلمين خيراً.
تحسين الخلق
135 - (إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه , فصدقوا , وإذا سمعتم برجل تغير خلقه , فلا تصدقوا به , وإنه يصير إلى ما جبل عليه) حديث ضعيف.
هذا الحديث يستشم منه رائحة الجبر , وأن المسلم لا يملك تحسين خلقه , لأنه لا يملك تغييره , وحينئذ , فما معنى الأحاديث الثابتة في الحض على تحسين الخلق , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) رواه أبو داود , وغيره في حديث , وسنده صحيح.
فهذا يدل على أن حديث الباب منكر , والله أعلم.
كل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير باطل وكذب موضوع
151 - (العنكبوت شيطان مسخه الله , فاقتلوه) موضوع.
ومما يدل على بطلان هذا الحديث أنه مخالف لما ثبت في "الصحيح" مرفوعاً: (إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً) رواه مسلم.
وقال ابن حزم في "المحلى": (وكل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير , فباطل , وكذب موضوع).
عدم التعامل مع الناس بسوء الظن
156 - (احترسوا من الناس بسوء الظن) حديث ضعيف جداً.
ثم إن الحديث منكر عندي , لمخالفته للأحاديث الكثيرة التي يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها المسلمين بأن لا يسيئوا الظن بإخوانهم , منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث ...... ) , رواه البخاري , وغيره , وهو مخرج في "غاية المرام".
ثم إنه لا يمكن التعامل مع الناس على أساس سوء الطن بهم , فكيف يعقل أن يأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل؟.
¥