وأما النهي عن البول قائماً , فلم يصح فيه حديث مثل حديث: (لا تبل قائماً) , وقد تكلمت عليه في الأحاديث الضعيفة.
هل يستحب إطالة الغرة والتحجيل
252 – (تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ).
صحيح من حديث أبي هريرة مصرحاً بسماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وله عنه طريقان:
الأولى: عن خَلَفٌ بْنَ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى يَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فذكره).
والطريق الأخرى عن يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال (دخلت على أبي هريرة , فتوضأ إلى منكبيه , وإلى ركبتيه , فقلت له: ألا تكتفي بما فرض الله عليك من هذا؟ قال: بلي , ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مبلغ الحلية مبلغ الوضوء , فأحببت أن يزيدني في حليتي).
هل هذا الحديث يدل على استحباب إطالة الغرة والتحجيل؟
الذي نراه – إذا لم نعتد برأي أبي هريرة رضي الله عنه – أنه لا يدل على ذلك , لأن قوله: (مبلغ الوضوء) , من الواضح أنه أراد الوضوء الشرعي , فإذا لم يثبت في الشرع الإطالة , لم يجز الزيادة عليه , كما لا يخفى.
على أنه إن دل الحديث على ذلك , فلن يدل على غسل العضد , لأنه ليس من الغرة ولا التحجيل , ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في حادي الأرواح: (وقد احتج بهذا الحديث من يرى استحباب غسل العضد وإطالته , والصحيح أنه لا يستحب , وهو قول أهل المدينة , وعن أحمد روايتان , والحديث لا يدل على الإطالة , فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم , لا العضد والكتف).
واعلم أن هناك حديثاً آخر يستدل به من يذهب إلى استحباب إطالة الغرة والتحجيل , وهو بلفظ: (إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) , وهو متفق عليه بين الشيخين , لكن قوله (فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) , مدرج من قول أبي هريرة , ليس من حديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ , كالمنذري , وابن تيمية , وابن القيم , والعسقلاني , وغيرهم , وقد بينت ذلك بياناً شافياً في الأحاديث الضعيفة , فأغنى عن الإعادة , ولو صحت هذه الجملة , لكانت نصاً على استحباب إطالة الغرة والتحجيل لا على إطالة العضد , والله ولي التوفيق.
الترتيب في الوضوء غير واجب
261 - (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي).
رواه ابن شاهين في الترغيب عن محمد بن مصفى: أنا ابن أبي فديك قال: حدثني طلحة بن يحيى عن أنس بن مالك قال: دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوء , فغسل وجهه مرة , ويديه مرة , ورجليه مرة مرة , وقال: هذا وضوء لا يقبل الله عز وجل الصلاة إلا به , ثم دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين , وقال: هذا وضوء من توضأ ضاعف الله له الأجر مرتين , ثم دعا بوضوء فتوضأ ثلاثاً , وقال: هكذا وضوء نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبيين قبله , أو قال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي.
والحديث مع أنه لم يذكر فيه الترتيب صراحة , فلا يؤخذ ذلك من قوله فيه (فغسل وجهه مرة , ويديه مرة , ورجليه مرة مرة , وقال: هذا .. ) , لما اشتهر أن الواو لمطلق الجمع , فلا تفيد الترتيب , لا سيما والأحاديث الأخرى التي أشرنا إليها لم يذكر فيها أعضاء الوضوء , بل جاءت مختصرة بلفظ: (توضأ مرة مرة , ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به).
ومن الواضح أن الإشارة بـ (هذا) , هنا إنما هو إلى الوضوء مرة مرة , كما أن الإشارة بذلك في الفقرتين الأخريين إنما هو للوضوء مرتين مرتين و الوضوء ثلاثاً ثلاتاً فلا دلالة في الحديث على الموالاة , ولا على الترتيب , والله أعلم.
¥