((يحرم شد الرحل لغير المساجد الثلاثة؛ كقبور الصالحين، والمواضع الفاضلة)). ذكره المناوي في ((الفيض)).
فليس هو رأي ابن تيمية وحده كما يظن بعض الجهلة، وإن كان له الفضل الدعوة إليه، والانتصار له بالسنة وأقوال السلف بما لا يعرف له مثيل، فجزاه الله عنا خير الجزاء.
فهل آن للغافلين أن يعودوا إلي رشدهم، ويتبعوا السلف في عبادتهم، وأن ينتهوا عن اتهام الأبرياء بما ليس فيهم؟
كتاب الطهارة
مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة
36 - (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ).
فهذا الحديث يدل على مسألتين من مسائل الفقه , اختلفت أنظار العلماء فيهما:
أما المسألة الأول , فهي أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟
ذهب إلى الأول الحنابلة , وحجتهم هذا الحديث , فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس , وما ذلك إلا لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه.
وذهب الجمهور إلى أن مسحهما سنة فقط , كما في (الفقه على المذاهب الأربعة) (1/ 65) , ولم نجد لهم حجة يجوز التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في (المجموع) (1/ 415): (إنه ضعيف من جميع طرقه).
وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك , وأن بعض طرقه صحيح , لم يطلع عليه النووي , وبعضها الآخر صحيح لغيره , استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة , ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين , وأنهما في ذلك كالرأس , وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبدالله أحمد بن حنبل , وسلفه في ذلك جماعة من الصحابة , وقد عزاه النووي (1/ 413) إلى الأكثرين من السلف.
وأما المسألة الأخرى , فهي: هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس أم لا بد لذلك من جديد؟ ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة , كما نص في (فيض القدير) للمناوي , فقال في شرح الحديث:
(الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ: لا من الوجه , ولا مستقلتان , يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء , بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس , وإلا لكان بياناً للخلقة فقط , والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك , وبه قال الأئمة الثلاثة).
وخالف في ذلك الشافعية , فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للإذنين ومسحهما على الانفراد , ولا يجب , واحتج النووي لهم بحديث عبدلله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه.
قال النووي في (المجموع) (1/ 412): (حديث حسن , رواه البيهقي , وقال: إسناده صحيح).
وقال في مكان آخر (1/ 414): (وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريباً , فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس , إذ لو كانتا منه , لما أخذ لهما ماء جديداً كسائر أجزاء الجسد , وهو صريح في أخذ ماء جديد).
قلت: ولا حجة فيه على ماقالوا , إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما , وهذا لا ينافي جواز الاكتفاء بما الرأس , كما دل عليه هذا الحديث , فاتفقا ولم يتعارضا , ويؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ) رواه ابوداود بسند حسن كما بينته في صحيح سننه , وهذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبدالله بن زيد , ولكنه غير ثابت , بل هو شاذ كما ذكرت في (صحيح سنن أبي داود) (111) , وبينته في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (997).
وجملة القول: فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين , فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين , ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره.
التنزه من البول
201 - (مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا).
أخرجه النسائي , والترمذي , وابن ماجه , والطيالسي , كلهم عن شَرِيكٌ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (فذكره).
أعلم أن قول عائشة - في هذا الحديث – إنما هو باعتبار علمها , وإلا فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم , فبال قائماً) , وهو مخرج في الإرواء , ولذلك فالصواب جواز البول قاعداً وقائماً , والمهم أمن الرشاش , فبأيهما حصل وجب.
¥