تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث , ليتخذوا منه مطعناً في معاوية رضي الله عنه , وليس فيه ما يساعدهم على ذلك , كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ولذلك قال الحافظ ابن عساكر: (إنه أصح ما ورد في فضل معاوية).

فالظاهر أن هذا الدعاء منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مقصود , بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض نسائه: (عقرى حلقى) , و (تربت يمينك) , وقوله في حديث أنس الآتي (لا كبر سنك).

ويمكن أن يكون ذلك منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متوترة , منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ قَالَ وَمَا ذَاكِ قَالَتْ قُلْتُ لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا قَالَ:

83 - (أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)

رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد , وهو (باب من لعنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك , كان له زكاة وأجراً ورحمة) , ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك قال: (كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ آنْتِ هِيَهْ لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ قَالَتْ الْجَارِيَةُ دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي أبداً أَوْ قَالَتْ قَرْنِي فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ:

84 - (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟).

ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية , وبه ختم الباب , إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد , وفي معنى واحد , فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها – بل هو لها زكاة وقربة – فكذلك دعاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاوية.

وقد قال الإمام النووي في (شرحه على مسلم): (وأما دعاؤه على معاوية , ففيه جوابان:

أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد.

والثاني: أنه عقوبة له لتأخره , وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا للدعاء عليه , فلهذا أدخله في هذا الباب , وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له).

وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني , فقال في (سير أعلام النبلاء): (قلت: لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية , لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم من لعنته أو سببته , فأجعل ذلك له زكاة ورحمة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير