قوله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) النداء هو الأذان والاستهام الاقتراع ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه , ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان , أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله , ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق , وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم , ثم لم يسمح بعضهم لبعض به , لاقترعوا عليه. وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها.
وقوله صلى الله عليه وسلم (ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه) التهجير التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت. قال الهروي وغيره: وخصه الخليل بالجمعة , والصواب المشهور الأول.
و قوله صلى الله عليه وسلم (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا) فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين , والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره , ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين. وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة , وقد ثبت النهي عنه , وجوابه من وجهين:
أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز , وأن ذلك النهي ليس للتحريم.
والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظة العشاء في المغرب , فلو قال: لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها على المغرب , ففسد المعنى , وفات المطلوب , فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها , وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما.
قوله صلى الله عليه وسلم (ولو حبوا) هو بإسكان الباء وإنما ضبطته لأني رأيت من الكبار من صحفه. شرح صحيح مسلم النووي.
فضل صَلَّاة الجماعة
+ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) البخاري.
شرح الحديث
أنه إذا صلى الإنسان في المسجد مع الجماعة كانت هذه الصلاة أفضل من الصلاة في بيته أو في سوقه سبعاً وعشرون مرة لأن الصلاة مع الجماعة قيام بما أوجب الله من صلاة الجماعة , فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة فرض عين وأنه يجب على الإنسان أن يصلى مع الجماعة في المسجد لأحاديث وردت في ذلك ولما أشار إليه سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال (وإذا كنت فيهم فأقمت الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) النساء 102 , فأوجب الله الجماعة في حال الخوف فإذا أوجبها في حال الخوف ففي حال الأمن من باب أولى وأحرى. شرح رياض الصالحين - العثيمين
فضل صَلَّاة الجمعة
+ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مسلم.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له , ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام). وفي الرواية الأخرى قوله صلى الله عليه وسلم (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) فيه فضيلة الغسل وأنه ليس بواجب للرواية الثانية. وفيه استحباب وتحسين الوضوء. ومعنى (إحسانه) الإتيان به ثلاثا ثلاثا , وذلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل , وتقديم الميامن , والإتيان بسننه المشهورة. وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب , وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله صلى الله عليه وسلم: (فصلى ما قدر له). وفيه الإنصات للخطبة. وفيه أن الكلام بعد الخطبة قبل الإحرام بالصلاة لا بأس به. قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: (ثم أنصت) هكذا هو في أكثر النسخ المحققة المعتمدة ببلادنا , وكذا نقله القاضي عياض عن الجمهور , ووقع في بعض
¥