قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ) ذكر ابن علان ما مختصره: أي هذه الجملة بخصوصها لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا بدئ بها الكتاب العزيز , والحمد لله: هو الثناء على الله بالجميل الاختياري و الإذعان له والرضا بقضائه.
والميزان: المراد منه حقيقته أي ما توزن به الأعمال , إما بأن تجسم الأعمال أو توزن صحائفها , فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة.
وهذه الكلمة كان لها الثواب العظيم بحيث تملأ كفة الميزان مع سعتها , لأن معاني الباقيات الصالحات في ضمنها , لأن الثناء تارة يكون بإثبات الكمال , وتارة بنفي النقص , وتارة بالاعتراف بالعجز , وتارة بالتفرد بأعلى المراتب , والألف واللام في الحمد لاستغراق جنس المدح , والحمد مما علمناه وجهلناه , وإنما يستحق الإلهية من اتصف بذلك , فاندرج الجميع تحت (َالْحَمْدُ لِلَّهِ).
وقوله (وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) شك من الراوي , والمعنى لا يختلف أي (َسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) تملأ ما بين السماوات و الأرض وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله من كل نقص في قوله (َسُبْحَانَ اللَّهِ) وعلى وصف الله بكل كمال في قوله (َالْحَمْدُ لِلَّهِ) , فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون.
فالتسبيح: تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه.
فالله منزه عن كل عيب في أسماءه وصفاته وأفعاله و أحكامه , لا تجد في أسمائه اسماً يشتمل على نقص أو على عيب ولهذا قال سبحانه و تعالى (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف 180 , ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص ولهذا قال تعالى (ولله المثل الأعلى) بعد قوله (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) النحل 60.
فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه , وله الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله كما قال تعالى (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) الدخان 38 , فليس في خلق الله لعب ولهو وإنما هو خلق مبنى على الحكمة.
كذلك أحكامه لا تجد فيها عيباً ولا نقصاً كما قال الله (أليس الله بأحكم الحاكمين) التين 8 , وقال عز وجل (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة 5.
والله عز وجل يحمد على كل حال وكان الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصابه ما يسره قال (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) , وإذا أصابه سوى قال (الحمد لله على كل حال) ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيراً عند كثيراً من الناس وهى قولهم (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) هذا حمد ناقص , لأن قولك على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر أو على عدم كمال الصبر , وأنك كاره لهذا الشئ ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير , بل ينبغي له أن يعبر بما كان الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعبر به فيقول الحمد لله على كل حال أو يقول الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه , أما التعبير الأول فإنه تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل , وأنه كاره له , وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره مما أصابه من البلاء بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله بل عبر كما عبر النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شرح رياض الصالحين - العثيمين.
فضل الاستعاذة
+ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالَ الرَّجُلُ وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ) مسلم.
شرح الحديث
¥