تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد قال الحافظ السيوطي في كتابه "الوسائل إلى مسامرة الأوائل" (ص9): "أول ما زيد الصلاة والسلام بعد كل أذان في المنارة في زمن السلطان حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (791هـ) وكان حدث قبل ذلك في أيام السلطان صلاح الدين بن أيوب أن يُقال في كل ليلة قبل أذان الفجر بمصر والشام السلام على رسول الله واستمر ذلك إلى سنة سبع وستين وسبعمائة فزيد بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسي أن يُقال: "الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، ثم جُعل عقب كل أذان سنة إحدى وتسعين".

قال الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي الحنفي في كتابه "الدر المختار": "فائدة: التسليم بعد الأذان في ربيع الآخر سنة سبعمائة وإحدى وثمانين في عشاء ليلة الإثنين، ثم يوم الجمعة، ثم بعد عشر سنين حدث في الكل إلا المغرب، ثم فيها مرتين، وهو بدعة حسنة"، انظر حاشية ابن عابدين (ج1/ 390).

قال الشيخ شمس الدين محمد عرفة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (ج1/ 193): "وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فبدعة حسنة ".

قال الحافظ السخاوي الشافعي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص92): "

قد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الأذان للفرائض الخمس إلا الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك فيها على الأذان وإلا المغرب فإنهم لا يفعلونه أصلاً لضيق وقتها ... إلى أن قال: "وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع، واستُدِل للأول بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ومعلوم أن الصلاة والسلام من أَجَلّ القُرّب لا سيما وقد تواردت الأخبار على الحث على ذلك مع ما جاء في فصل الدعاء عقب الأذان والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر " والصواب" أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسن نيته"، انتهى كلامه. ونقله عنه الحطاب المالكي في كتابه مواهب الجليل (ج 1 ص 430) وأقره.

وفي كتاب "منتهى الإرادات" للحنابلة (ج1/ 113 - 114): "وسُنّ لمؤذن وسامع أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم. "اهـ

ولكن ثَمَّ بعض الملاحظات على هذه الفتوى:

1 - ما نُقل في آخر الفتوى: (أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسن نيته).

قلت: من شروط قبول العمل الإخلاص والصواب، فليس الإخلاص وحده كافيًا لقبول العمل.

2 - ما نُقل في آخر الفتوى: (وفي كتاب "منتهى الإرادات" للحنابلة (ج1/ 113 - 114): "وسُنّ لمؤذن وسامع أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم. "اهـ).

لا يفيد أن المؤذن يجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، وإنما هو من باب التلبيس على المستفتي.

3 - ما مدى صحة تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة عند الجمهور .. فالذي عليه علماؤنا أن كل بدعة ضلالة لحديث: "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" .. وأما قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة" فله ضوابط.

والمسألة تحتاج إلى توضيح:

أ- معلوم أن السنة قولية وفعليه وتقريرية .. ولم يَرِد في السنة الفعلية أو التقريرية ما يصرف السنة القولية بالصلاة عليه بعد الأذان إلى الجهر بها.

ب- لو كان الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من باب البدعة الحسنة لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نعمت البدعة" للزم من ذلك أن يكون هناك سببٌ مَنَعَ بلالا رضي الله عنه من الجهر بها بعد الأذان، ثم مع زوال سبب منع الجهر بها لجأنا إلى الجهر بها .. تمامًا كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم التراويح جماعة، ولكن خشي أن تفرض فتركها، وبقي الناس يصلون فرادى إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجمع الناس على مثل ما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر، وصلوا جماعة، وقال: "نعمت البدعة". لأن الحكمة التي من أجلها ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة جماعة وهي خشية أن تفرض علينا قد انتفت.

وهذا لا يعني أن عمر رضي الله عنه ابتدع في الدين بدعةً لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم.

والسؤال: ما هي الحكمة التي صرفت بلالا رضي الله عنه عن الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل تزال قائمة؟

الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة" انظر حديث رقم: 2639 في صحيح الجامع.

فلو قلنا بمشروعية الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، ومشروعية الجهر بالدعاء بين الأذان والإقامة .. أليس هذا تشويشا على المصلي نهينا عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

وعليه، فإننا نجهر فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ونسر فيما أسر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير