تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن تيمية في هذا المعنى: (وقد رخَّص النبي e للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا، والقصر في هذا جائز عند الجماعة، وقد سمَّاه إقامة، ورخَّص للمهاجر أن يقيمها؛ فلو أراد المهاجر أن يقيم أكثر من ذلك بعد قضاء النسك لم يكن له ذلك، وليس في هذا ما يدل على أن هذه المدة فرقُ ما بين المسافر والمقيم. . فعُلم أن هذا التحديد لا يتعلق بالقصر،

ولا بتحديد السفر) ([13]) اهـ.

القول الثاني: أن هذا الحد هو خمسة عشر يوماً.

وهذا هو مذهب الحنفية ([14]).

واستدلوا لذلك بقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوماً أكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها!) ([15]).

ووجه الاستدلال بهذا الأثر أن هذا لا يقال إلا عن توقيف ([16]).

وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأنه غير مسلَّم لوجهين:

الأول: أن للرأي فيه مجالاً؛ فلا يُعطى حكم الرفع.

الثاني: أنه قد صحَّ عنهما ما يعارض هذا القول ([17]).

ويَرِدُ على هذا التحديد أيضاً ما أُورد على أدلة القول الأول.

القول الثالث: أن حد ذلك في قصر الصلاة هو مكث النازل عشرين يوماً.

وهو قول ابن حزم ([18]).

واستدل لذلك بقصر النبي e الصلاة في تبوك عشرين يوماً ([19]).

ووجهه أن أكثر مدة نزلها e وهو يقصر الصلاة هي ما ورد في هذه الغزوة؛ فخرج هذا المقدار من الإقامة عن سائر الأوقات بهذا الخبر ([20]).

ويَرِدُ على هذا القول ودليله ما ورد على أدلة القول الأول.

القول الرابع: أن المعتبر في تحديد الإقامة هنا هو العُرْف.

فمن سمَّاه الناس مسافراً فهو مسافر له الأخذ برخص السفر، ومن سمَّوه مقيماً فهو مقيم لا رخصة له.

وهذا هو قول الإمام بن تيمية، وسيأتي تحرير قوله في آخر الرسالة، وهو قول العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ([21]). وعليه تُحمل طريقة السلف، حيث يصح عن الصحابي الواحد أقوال متعددة.

واعتبار العرف في تحديد الإقامة في أسبابها ـــ عدا المدة ـــ هو طريقة أكثر الفقهاء؛ بل إن المدة نفسها تخضع عندهم لبعض الأسباب العرفية، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

ودليل هذا القول هو قاعدة الأسماء المطلقة في الشريعة، وهي: كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف ([22]).

القول الخامس: أن من قيَّد إقامته بانتهاء عمل أو زمن فهو مسافر.

وهذا هو قول العلامة الشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين أثابه الله ([23]).

وبناء على ذلك فهو يرى أنه لا أثر للتأهل في ثبوت وصف الإقامة؛ لأن النبي e اصطحب زوجاته في أسفاره، ومع ذلك ترخص، ولا أثر عنده لاتخاذ البيوت؛ لأنهم إنما يشترونها لسكناها إلى انتهاء غرضهم فقط؛ كما أنه لا يَعتبرُ أثراً لمدة المكث لعدم الفرق بين المدد في الشريعة ([24]).

ولذلك أفتى المغتربين من الطلبة والعمال الذين يقيدون نزولهم بنهاية وقت أو عمل بأنهم مسافرون، ولو علموا طول الإقامة.

وقد استدل أثابه الله لذلك من الكتاب بقول الله تعالى: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ" الآية.

ووجه هذا الدليل أن الله أطلق الضرب في الأرض وعمَّم في وقته، والضرب في الأرض هو السفر فيها، والله تعالى يعلم أن من الضاربين في الأرض التاجر والمجاهد، وأنهما يحتاجان إلى نزول مدة، ولم يستثن الله عز وجل ضارباً من ضارب ولا حالاً من حال؛ فكل نزولٍ للمسافر مشمولٌ بهذا العموم؛ فيكون صاحبه مستحقاً للرخصة، ولا يُستثنى

من ذلك إلا المستوطن، ومن نوى إقامة مطلقة ([25]).

ومن السنة: استدل أثابه الله بإقامة النبي e في مكة للحج ([26]) ثم قال:

(ووجه الدلالة منه أن النبي e أقام إقامة لغرض الحج مقيدة بزمن معين، وقد نواها من قبل بلا ريب، ومع ذلك بقي يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة؛ فدل ذلك على أن الإقامة لغرض معين متى انتهى منه رجع إلى

وطنه لا ينقطع بها حكمُ السفر. .) ([27]) اهـ.

واستدل من السنة كذلك بأن النبي e أقام في مكة عام الفتح وفي غزوة تبوك، وأنه: (. . قصر لأن العلة في الإقامتين واحدة وهي انتظار انتهاء ما أقام من أجله) ([28]) اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير