وقد يُعتبر حجاج الطائف وجدة مثلاً من المسافرين؛ لأن المشاعر ليست مما يتبع بلدانهم؛ كما أنهم يقطعون مسافة غير قصيرة، ويبيتون، وقد يتزودون؛ فالأظهر في حال أولئك أنهم مسافرون.
6. النزهة في المواضع القريبة من بلد الإقامة ـــ كعشرين كيلاً أو ثلاثين،
ونحو ذلك ـــ تُعتبر من أحوال الإقامة، لاسيما إذا لم يكن مبيت وتزود.
7. هل يُعتبر النازلون في المصايف أو في أريافهم سنوياً بصورة منتظمة
أو غالبة مدة طويلة متصلة؛ كالنزول وقت الإجازات شهرين
أو ثلاثة في بيوت مؤثثة مملوكة أو مستأجرة بعقود طويلة، حتى صار الناس يعرفون البلد والمنزل، هل هم مقيمون؟ الأظهر عرفاً أنهم كذلك، بل إنهم أقرب إلى الاستيطان؛ فهم كالرعاة والبدو الذين ينتجعون الكلأ ويتتبعون المراعي ([112]).
وذلك بخلاف من له فيها عادة سنوية ولكن مدتها قليلة؛ كخمسة عشر يوماً أو عشرين، أو في منزل غير ثابت.
أمثلة على السفر أو بقاء حكمه:
1. من قصد مسافة مائة كيل في غير بنيان فهو مسافر وإن رجع من يومه، دون مبيت وتزود.
2. أن حجاج الآفاق ممن تلبسوا بوصف السفر، ونزلوا لغرض الحج يُعتبرون في المشاعر من المسافرين؛ وذلك من أجل قِصَر المدة.
3. من كانت وظيفته أو دراسته في بلد ولم يتخذ فيها أهلاً، ولا سكناً، ويتردد يومياً على محل إقامته؛ فهو في مكان دراسته أو عمله مسافر.
4. من نزل قرب الحرم المكي أو المدني مثلاً، أياماً معدودة من السنة هي أيام المواسم؛ كخمسة عشر يوماً أو عشرين؛ فالناس لا يسمونه
مقيماً، حتى وإن كان معه أهله في حَلِّه وتَرحاله.
وأما إذا كان يملك المنزل مؤثثاً ويطيل فيه المكث فهو كصاحب المصيف.
5. من نزل بلداً لزيارة أو لإدارة تجارة مؤقتة، أو مقاولة، أو مرافعة
أو علاج، ونحو ذلك، ولم يتخذ سكن المثل في مدته؛ كالحال التي تعرف عن المقيم عادة، وإنما نزل الفنادق أو غيرها من الدور بعقد يومي أو أسبوعي أو شهري، وهو يقول: أخرج في عشرين يوماً أو نحوها؛ كلما انقضت هذه المدة نظر إلى مثلها؛ فهذا عند الناس مسافر وإن
بقي على حاله سنين؛ وذلك بسبب اضطراب نيته، وقِصَرِ المدة التي قصدها للإقامة.
أما إن كان فراغ هذه الحاجة لا يكون في غالب الظن إلا بعد مدة
طويلة؛ كستة أشهر أو سنة، ثم هو لا يحتمل نجاحها في مدة قليلة كشهر مثلاً؛ كالمغتربين من الطلبة والموظفين؛ فهؤلاء في حكم المقيمين عرفاً؛ وذلك بسبب النية المستقرة للمكث مدة طويلة.
6. إذا سافر الحضري، ثم نزل خيمة في صحراء من الأرض لأي غرض فإنه يُعتبر من المسافرين مهما طال مكثه، إذا لم يؤبد إقامته؛ وذلك لعدم تحقق مكان السكن ونوعه المعروفين لإقامة مثله، وهذا السبب العرفي هو مذهب أبي حنفية والشافعي في قوله الآخر ورجحه الغزالي، وهو مذهب أحمد في الرواية الثانية ورجحها بعض أصحابه؛ كما تقدم ذلك في مبحث "صلاحية المكان للإقامة" في صحيفة (48).
7. نزول الجنود والموظفين غير متأهلين في نقاط التفتيش ومنافذ الحدود على الطرق البرية، في صحراء من الأرض، أو في جزائر البحر، أو في عرضه، أو على شواطئه، أو في مراكز التدريب الصحراوية؛ بعيداً عن المدن والقرى، وفي نوبات في السنة تصل إلى شهرين أو ثلاثة،
وفي مساكن متنقلة مؤقتة، لا يُعتبر هذا النزول عند أهل العرف
من الإقامة؛ فمن سافر ثم نزل على هذه الصفة فهو مسافر مهما طال مكثه؛ وذلك لعدم صلاحية المكان.
وعن أحمد أنه لا يلزمه ترك الرخصة إلا في بلد تُقام فيه الجمعة.
تنبيهات مهمة حول هذه الأسباب والفروع:
1. أن الوقائع العرفية متجددة:
إن بعض هذه الأسباب والتطبيقات عرضة لتغير الأعراف، وما ذُكر من ذلك فهو رأي كاتبه، ومن سألهم من الناس، ولم أوردها إلا للتقريب
فقط؛ فقد يَرِدُ التمثيل بعددٍ أو حالٍ من أحوال السفر والإقامة، ولا يعني ذلك أن ما هو أقل أو أكثر منها بقليل أنه لا يُعتبر كذلك، وإنما اُختير المثال لوضوحه، أو لأن أكثر أهل العرف يقولون به.
وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي للناظر أن ينشغل بهذه الأمثلة كثيراً ما دام مسلماً بسلطان العرف هنا.
وإذا عرضت له مسألة فله الاجتهاد، أو يتحرى العرف عند أهله بنفسه.
2. أن الإقامة والسفر معنيان:
¥