تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ذلك دون أن يذكر تصريحاً من الصحابة والعلماء باعتبار العرف في ضبط شتم الرسول e ، وقد اعتبر في ذلك إطلاق اللفظ.

ومن قال: إن مراد ابن تيمية هنا هو شيء غير الأوضاع المشتركة

ـــــ كتأثير إرادة الوقت أو العمل ـــــ فهذا هو الذي يحتاج إلى تصريح وبيان.

الوجه الرابع: أنه اعتبر في فتاواه أموراً عرفية.

فقد اعتبر رحمه الله أموراً عرفية في ثبوت أحكام الإقامة، حين قرر أنه ليس للملاح أن يترخص مادام في رفقته امرأته، وجميع مصالحه؛ كما تقدم

قريباً؛ فقد رتب آثار الإقامة على الملاح رغم أنه على ظهر سير؛ وذلك بسبب أمرين عرفيين، هما التأهل، ووجود المصالح.

ومما يدل على أن مراده هو الوضع العرفي لا سواه أن أدلته وأمثلته في السفر والإقامة كانت موافقة للمعنى العرفي، وما بقي منها فلا يعارضه لعدم التصريح بوجود أسباب الإقامة:

فمن أدلته: أحوال نزول النبي e في مكة عامي الفتح وحجة الوداع، وكذلك في تبوك، ومنها أحوال نزول الصحابة في الجهاد.

ومن أمثلته رحمه الله على عدم تحقق الإقامة التاجر الذي يقدم ليبيع بضاعة ([136]).

وكل هذه ملحقة بالسفر عرفاً وعادة.

ولم أرَ له دليلاً واحداً أو مثالاً واحداً تضمن شيء منها إقامة النازل في مكان المثل وسكنه متأهلاً في مدة طويلة ونية مستقرة.

فأدلته وأمثلته هي أولى ما يُفسر بها كلامُه.

فيكون الظاهر من كلامه أن الذي يستحق الرخصة هو من سافر ثم

نزل مكاناً لم ينو فيه المقامَ ولا قطعَ السفر؛ فبقي مضطرباً غير مستقر

ينظر إلى مواصلة سيره، أو الرجوع إلى بلده في وقت يسير عادة، أو في وقت كثير لم تُوجد فيه بقية أسباب الإقامة الأخرى كالمكان والمسكن؛ كحال من نزل بلداً لتجارة أو مرافعة أو ملازمة غريم أو سؤال لأهل العلم أو تحصيل دين أو زيارة أو نزهة، ومثل ذلك في الوقت الحاضر مراجعةُ المؤسسات الحكومية والأهلية، مما لا يُعتبر المسافر معها مقيماً قاطعاً لسفره، ولو سئل الناس عنه لقالوا بأنه غير مقيم؛ فهو باق على حكم سفره.

وقد أكد رحمه الله هذا المعنى بقوله: (وقد أقام المهاجرون مع النبي e عام الفتح قريباً من عشرين يوماً بمكة، ولم يكونوا بذلك مقيمين إقامة خرجوا بها عن السفر) ([137]).

وتراه يقول: ( .. لأن الفطر مشروع للمسافر في الإقامات التي تتخلل السفر؛ كالقصر) ([138]).

فاتضح أن مراده بالإقامة التي تتبع السفر إنما هي إقامة تتخلله، ويراها الناس جزءاً من ذلك السفر، وليست إقامة ينقطع بها هذا السفر.

كلام ابن القيم:

أما الإمام ابن القيم فقد قال في فوائد غزوة تبوك: ( .. ومنها أنه أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، ولم يقل للأمة: لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة، وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر، سواء طالت أو قصرت، إذا كان غير مستوطن، ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع) ([139]).

فيُلحظ في كلامه ما يلي:

1. أنه رحمه الله لم يجعل الوقت والعمل حداً بين مقيم ومسافر، وإنما أناط الحكم بوجود السفر دون أن يظهر في كلامه قيد آخر على مطلق الوصف.

2. أن في كلام ابن القيم ما يدل على منع ترخص أمثال هؤلاء المغتربين؛ وذلك لأن انقطاع الرخصة عنده يكون بواحد من أمرين: الأول: الاستيطان. والثاني: العزم على الإقامة.

وهؤلاء المغتربون من الطلبة والعمال والموظفين خارج أوطانهم وإن لم يكونوا مستوطنين إلا أنهم قد عزموا على الإقامة وقطع السفر.

3. أن قوله هنا: ( .. وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر .. ) يدل على أن مراده هو أحوال النزول التي تتخلل السفر؛ كمن نزل مكاناً فبقي يترقب مواصلة سفره، أو عودته في وقت قريب، ولم يتخذ من أسباب الإقامة ما يُعتبر به قاطعاً لسفره، طالت مدة نزوله تلك أو قصرت؛ فهذه هي (الإقامة في حال السفر)، لا إقامة المغتربين ونحوهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير