من عدم وجوب وضع الكفين على الركب، فإنه مذهب الشافعية
كما في "المجموع" (3/ 410) مع أنه ثابت في بعض طرق حديث
المسيء صلاته كما في "صفة الصلاة"، وهو مخرج في "الإرواء"
(1/ 321 - 322)، و "صحيح أبي داود" (747)، وصححه ابن خزيمة،
وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن الجارود (194). وقد ذكر
النووي نفسه في الموضع المشار إليه أن الحديث جاء لبيان أقل
الواجبات، ومع ذلك لم يأخذوا بهذا الأمر منه، وتعصب لهم هذا
المقلد الدعي وتجاهل هذا الأمر، فلم يذكره فيما ذكر من ألفاظ
الحديث في أول كتابه، وتمسك بهذا الحديث الواهي ضرباً به
لهذا الحديث الصحيح في الصدر، مقلداً لمن حسنه غافلاً عن علته
الظاهرة سنداً؛ أو متغافلاً لو كان عالماً بها، وعن علته القائمة
في متنه لو كان فقيهاً، ألا وهي إباحته للتطبيق مع تصريحه عقبه
بسطر أنه منسوخ، فهو في الحقيقة يلعب على الحبلين - كما
يقال -؛ فإنه ساق هذا الأثر ليضرب أمر النبي صلي الله عليه
وسلم بالوضع على الركب، ثم ضرب عجزه لمخالفته لأمر النبي
بالوضع على الركب في حديث سعد الصحيح، وتأوله (ص 148)
بأنه ليس للوجوب، واستدل على ذلك بأمور يطول الكلام عليها
منها هذا الأثر، ولما كان يعلم - إن شاء الله - أن حديث المسيء
صلاته يبطل هذا التأويل تجاهله! ولو كان صادقاً في تأليفه
"صحيحه" لأخذ به واستراح من هذا الأثر الواهي.
وقد روى عبدالرزاق في "مصنفه" (2/ 152 - 153) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق نفسه،
عن علقمة والأسود: أنهما صليا وراء عمر ووضع يديه على ركبتيه قالا: وطبقنا، قال عمر: ما هذا؟
فأخبرناه بفعل عبدالله - يعني ابن مسعود - قال:
"ذاك شيء كان يفعل ثم ترك".
فهذا من صحيح حديث أبي إسحاق أولى من أثره الواهي عن علي.
وقد روى ابن أبي شيبة (1/ 245) بسند ضعيف عن علي قال:
"إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك ... ".
ومن ذلك أيضاً لما ذكر حديث مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه في قراءة النبي صلي الله عليه وسلم
في الظهر، وذكر منه ما كان يقرأ في الركعتين الأوليين، لم يذكر تمامه، ونصه:
"وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية".
أي في كل ركعة كما قال الشوكاني وغيره، وترجم له البيهقي في "سننه" بقوله (2/ 63): "باب من
استحب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأخريين".
وإنما أسقط السقاف هذه الجملة من الحديث تقليداً منه لما عليه الشافعية؛ على الأصح من القولين عندهم
كما في "المجموع" (3/ 386 - 387)؛ مع أن الإمام الشافعي نص في "الأم" على الاستحباب (3/ 387)،
وذكر له البيهقي بعض الآثار عن أبي بكر رضي الله عنه وغيره، مما يدل على أن هذه القراءة سنة معروفة
عند السلف رضي الله عنهم، ومع ذلك أسقط السقاف هذا الحديث من "صحيحه" المزعوم!
وكذلك فعل بحديث أبي هريرة في سجود النبي صلي الله عليه وسلم في الصلاة سجدة التلاوة إذا قرأ سورة
(إذا السماء انشقت)، مع أنه ثابت في "الصحيحين" كما قال النووي في "المجموع" (4/ 62 - 63)،
ومع ذلك مر عليه النووي في "شرح مسلم"، فلم يتكلم حوله بما فيه من شرعية سجود التلاوة في الصلاة
في هذه السورة! بخلاف الحافظ رحمه الله كما يأتي، وقال ابن عبدالبر في "التمهيد" (19/ 122):
"هذا حديث صحيح، لا يختلف في صحة إسناده، وفيه السجود في (إذا السماء انشقت) في الفريضة،
وهو مختلف فيه، وهذا الحديث حجة لمن قال به، وحجة على من خالفه".
ونقل الحافظ (2/ 556) عنه أنه قال:
"وأي عمل يدعى مع مخالفة النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده؟ "
يشير بذلك إلى الرد على مالك رحمه الله؟ وعلى من وافقه
من الشافعية، ومنهم ذاك "الرويبضة" المحروم من اتباع سنة
النبي صلي الله عليه وسلم على خلاف عنوان كتابه؛ الذي
لم يورد فيه حديث أبي هريرة هذا فيما يسن أن يقرأ في صلاة
العشاء (ص 137)، بل إنه أبطله بجهالة بالغة، فقال في الصفحة
التي بعدها:
"اعلم أنه لا يجوز للمصلي أن يقصد قراءة آيات فيها آية سجدة ليسجد في الصلاة سجود التلاوة،لأنه بذلك
يكون قد تعمد زيادة ركن في الصلاة؛ وهو السجود، وهذا يبطلها"!
ثم استثنى من ذلك قراءة سورة السجدة صباح الجمعة، ثم عقب على ذلك بأنه لا يجوز أن يقرأ سورة أخرى
¥