فلذلك يشرب الناس اليوم شراباً يُسمى بالقهوة وهو شراب قشر البن ولو رجع أحدكم إلى القاموس لوجد أن القهوة هي الخمر في القاموس القهوة الخمر كقهوة شارب متنطف, لكن تسمية هذا المشروب بالقهوة لا يحرم هذا المشروب، لأن هذا المشروب لم يكن معروفاً لدى العرب فلم يسموه باسم، ونحن نقلنا إليه هذا الاسم وسميناه به فهذا نظير ما لو سمى إنسان كبشاً خنزيراً أو سمي خنزيراً كبشاً فإن ذلك لا يغير الحكم الشرعي، ولا يؤثر فيه.
ومن فسر الألفاظ الواردة في التصوير بها فهو بمثابة من فسَّر نصوص القرآن بغير معانيها، كالذي يقول في قول الله تعالى: ? وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ ? [يوسف: 19] أن السيارة مثلاً (كابرس) أو (لاند روفر) أو نحو هذا، فهذا فسر القرآن بغير معناه، فلذلك تفسير هذه النصوص بغير دلالاتها اللغوية منافٍ للمقصد الشَّرعي وهو من القول على الله بغير علم.
وقد نبه ابن قدامة رحمه الله في المغني على هذه القاعدة و ذكرها قاعدة إجماعية بين المسلمين ونظمها الشيخ محمد عالي رحمه الله في قوله:
تًسميةُ العَين بغير اسمها
لا تنقل الأعيانَ عن حكمها
لا تقتضي مَنعاً ولا تقتضي
إثباتَ حقٍّ ليس في قِسمِها
بل حكمُها من قبلُ في أمسِهِا
كحُكمِهِا مِن بَعدُ فِي يَومِهِا
فَائِدَةٌ مُهمَّةٌ ينبغي
إيقافُ من يُفتِي على فَهمِهَا
وهذه القاعدة يترتب عليها أنَّ ما سمَّاه النَّبي ? صورة وهو ما كان من النحت من الحجارة أو من الطين أو من الخشب وما كان من النسيج أو من الرسم بالريشة أو باليد فهذا هو المُحرَّم إذا كان الذي يصور به ذا نفس أي حياً، أما ما سوى ذلك فتسميته صُورة لا تدلُّ على تحريمه لأنه مُجرَّد انعكاس كانعكاس صورة الوجه في المرآة، وقد صح أن النبي ? كانت له مرآة وكان ينظر فيها، فلو كان التَّصوير عن طريق الآلة حراماً لكان النَّظر في المرآة حراماً. فلذلك لا تدل النصوص دلالة بمنطوقها ولا بمفهومها على تحريم التصوير الفوتوغرافي، و لا تدل كذلك بالعلة التي بينها النبي ? على تحريمه لأنه بيَّن العلَّة وهي أنهم يُضاهُون خلق الله "فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة" والمصوِّر الفوتوغرافي لا يُضاهي خلق الله وإنما يحبس ظِلَّ خلق الله كما هو.
ولذلك فالتَّصوير الحقيقي المحرم الذي هو بالرَّسم أو النَّحت لا يتقنه إلا من كان من أهل المهارة والدُّربة، ويتنافس الناس فيه، وهو غالي الثمن، ولم يستثني النبي ? منه إلا رقماً في ثوب فالرقم في الثوب منه مباح: أي الشيء اليسير الصغير وما عدى ذلك حرَّمه، أما التصوير الفوتوغرافي فيفعله الصبيان والصغار ومن ليست لديهم أيَّة مهارة في الرسم فدلَّ هذا على أنه ليس مُضاهاةً لخلق الله.
والتصوير الفوتوغرافي لا يُنسب إلى فاعله فأنت إذا رأيت صورة لا يمكن أن تسأل من الذي صور هذه الصورة أو من الذي فعلها فليس فيها مهارة في الواقع لأن العبرة بالجهاز ودقته وجودة ألوانه فالعبرة بالآلة التي صورت.
www.dedew.net
مجموع فتاوى المفتى الأكبر الشيخ محمد بن أبراهيم رحمه الله
فتوى رقم 101 - قسم العقيدة:
يقول رحمه الله:
أَما تعلق من خالف في ذلك بحديث ((الا رقما في ثوب)) فهو شذوذ عن ما كان عليه السلف والأئمة، وتقديم للمتشابه على المحكم، إذ أنه يحتمل أن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأَرواح كصورة الشجر ونحوه، كما ذكره الامام أَبو زكريا النووي وغيره. واللفظ إذا كان محتملاً فلا يتعين حمله على المعنى المشكل، بل ينبغي أَن يحمل على ما يوافق الأَحاديث الظاهرة في المنع التي لا تحتمل التأويل. على أَنه لو سلم بقاء حديث إلا رقمًا في ثوب على ظاهره لما أَفاد الا جواز ذلك في الثوب فقط، وجوازه في الثوب لا يقتضي جوازه في كل شيء، لأَن ما في الثوب من الصور إما ممتهن واما عرضة للإمتهان، ولهذا ذهب بعض أَهل العلم إلى أَنه لا بأس بفرش الفرش التي فيها التصاوير استدلالاً يما في حديث السنن الذي أَسلفنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((ومُرْ بالسِّتْر فَلْيُجْعَلْ منهُ وِسادتان مَنْبُوذَتانِ تُوْطَآن)) اذ وطئها وامتهانها مناف ومناقض لمقصود المصورين في أَصل الوضع وهو تعظيم المصور والغلو فيه المفضي إلى الشرك بالمصور، ولهذه العلة والعلة الأخرى وهي المضاهاة بخلق الله جاءَ
¥