13. قوله (وليس للحيطان ظل نستظل به): هل هذا نفي لمطلق الظل بمعنى أن الشمس لم تزل بعد؟ يعني هل هذا دليل على أنه قبل الزوال؟ أو أن المراد أن للحيطان ظل لكنه لا يصل إلى حد بحيث يُستَظل به, فيكون فعلها بعد الزوال؟ في قوله تعالى (بغير عمد ترونها) هل فيه نفي لأن يكون للسماء عمد ألبتة؟ أو أن فيه إثبات للعمد لكن فيه نفي رؤية العمد؟ اللفظ محتمل كاللفظ الذي معنا, فقوله (ليس للحيطان ظل) في مقابل (بغير عمد) و قوله (نستظل به) في مقابل (ترونها) , إما أن يكون فيه نفي للظل بالكلية ويكون من أدلة الحنابلة على جواز فعل الجمعة قبل الزوال, أو أنها ليس لها ظل يستظل به, يعني ظل ظليل مديد بحيث يمشي الناس وكلهم يستظل بهذا الظل دفعة واحدة, فيكون فعلها بعد الزوال مباشرة قبل أن ينتشر الظل الظليل المديد, ويكون هذا ليس فيه مستمسك للحنابلة وأن وقتها إنما هو بعد الزوال كما يقول الجمهور, وهذا اللفظ محتمل, وإن قال بعضهم إنه يبعده أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الجمعة بسور طويلة كسورتي الجمعة والمنافقون مثلاً, فلو كانت بعد الزوال لصار هناك ظل مع طول القراءة والترتيل.
14. هذا الحديث من أدلة الحنابلة الذين يرون أن الجمعة يجوز فعلها قبل الزوال, وأن أول وقتها وقت صلاة العيد وآخر وقتها وقت صلاة الظهر, والجمهور على أن وقتها وقت صلاة الظهر, فتبدأ من بعد الزوال وتنتهي بمصير ظل كل شيء مثله.
15. وفي لفظ لمسلم (كنا نُجَمِّع معه إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء): فيه دليل على المبادرة لأنه يقول (إذا زالت الشمس) , وهذا الحديث يفسر الحديث الذي قبله, والفيء بعد الزوال قليل لا يستوعب الناس إذا خرجوا من المسجد.
16. على كل حال الاحتمال في الرواية الأولى قائم, وأما الرواية الثانية فهي مفسرة, وقوله (إذا زالت الشمس) نص في تأييد قول الجمهور, وقوله (ثم نرجع نتتبع الفيء) أي لقلته, وهذا فيه دليل على المبادرة بصلاة الجمعة.
17. حديث سهل بن سعد (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) وفي رواية (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم): (نقيل) من القيلولة وهي الراحة في منتصف النهار, وهي من أنفع أوقات النوم في النهار بخلاف النوم في طرفي النهار فإنه غير محمود, وسواء صاحب القيلولة نوم أو لم يصاحبها نوم فالقيلولة أعم من أن تكون نوماً بل هي راحة.
18. قوله (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة): (نتغدى) أي نتناول طعام الغداء, لأنهم يبادرون بصلاة الجمعة ويبادرون إلى صلاة الجمعة.
19. وفي رواية (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم): مع أن قول الصحابي (كنا نفعل) أو (ما كنا نفعل) سواء أضافه إلى عصر النبي عليه الصلاة والسلام أو لم يضفه فالمراد به في عصر النبي عليه الصلاة والسلام, ولا يُظَن بالصحابي أنه ينسب حكماً شرعياً إلى غير عصر التشريع, هذا لا يمكن أن ينسبه الصحابي إلا إلى وقت التشريع لأنه بصدد تقرير مسألة شرعية, ولذا أهل العلم عندهم مثل هذه الصيغة مرفوعة ولو لم يضفه إلى عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
20. جاء ذكر أحد الساعات الثلاث التي لا بد فيها من الاستئذان في قوله جل وعلا (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) وهذا في الجمعة وغير الجمعة, قد يقول قائل إن هذا ديدنهم أن قيلولتهم إنما هي بعد الظهر فلا يكون في الحديث دليل على المراد, ويكون قوله (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) إنما هو جرياً على عادتهم وأنهم باستمرار يفعلون هذا بعد الجمعة وبعد صلاة الظهر ولا فرق, والآية فيها تقرير العادة.
21. يجاب عن هذا بأن يقال إن الظهيرة هي وقت ظهور الشمس وارتفاعها وشدة حرها ولو لم يكن بعد صلاة الظهر, بل إذا ارتفعت الشمس وزاد حرها واحتاج الناس إلى القيلولة فهذا هو وقت الظهيرة, وجاء في الحديث (وحين يقوم قائم الظهيرة) يعني وقت الزوال, والسبب في تسمية وقت الزوال بقائم الظهيرة هو أن الإبل على شدة تحملها للحر تقف في هذا الوقت ولا تطيق حر الأرض, وقائم الظهيرة وشدة الحر كل ذلك يكون قبل الزوال, فهو أعم من أن يكون من صلاة الظهر, وعلى كل حال هذه الأحاديث كلها تدل على المبادرة بصلاة الجمعة.
¥