تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمود آل زيد]ــــــــ[08 - 11 - 07, 08:26 ص]ـ

فَأَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ:

التّوْحِيدُ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ.

قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبه ِ} [الزّمَرُ 22].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقًا حَرَجًا كَأَنّمَا يَصّعّدُ فِي السّمَاءِ} [الْأَنْعَامُ 125]

فَالْهُدَى وَالتّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ، وَالشّرْكُ وَالضّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ.

وَمِنْهَا: النّورُ الّذِي يَقْذِفُهُ اللّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ فَإِنّهُ يَشْرَحُ الصّدْرَ وَيُوَسّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ. فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ.

وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ فِي " جَامِعِهِ " عَنْ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنّهُ قَالَ: إذَا دَخَلَ النّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ.

قَالُوا: وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟

قَالَ: الْإِنَابَةُ إلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ. (ا)

فَيُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِحَسْبِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا النّورِ، وَكَذَلِكَ النّورُ الْحِسّيّ وَالظّلْمَةُ الْحِسّيّةُ هَذِهِ تَشْرَحُ الصّدْرَ وَهَذِهِ تُضَيّقُهُ.

وَمِنْهَا: الْعِلْمُ فَإِنّهُ يَشْرَحُ الصّدْرَ وَيُوَسّعُهُ حَتّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الدّنْيَا، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضّيقُ وَالْحَصْرُ وَالْحَبْسُ، فَكُلّمَا اتّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتّسَعَ، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلّ عِلْمٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ الرّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ وَهُوَ الْعِلْمُ النّافِعُ، فَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النّاسِ صَدْرًا، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبًا، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا.

وَمِنْهَا: الْإِنَابَةُ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَحَبّتُهُ بِكُلّ الْقَلْبِ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَالتّنَعّمُ بِعِبَادَتِهِ. فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ. حَتّى إنّهُ لَيَقُولُ أَحْيَانًا: إنْ كُنْتُ فِي الْجَنّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنّي إذًا فِي عَيْشٍ طَيّبٍ. وَلِلْمَحَبّةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصّدْرِ وَطِيبِ النّفْسِ وَنَعِيمُ الْقَلْبِ لَا يَعْرِفُهُ إلّا مَنْ لَهُ حِسّ بِهِ، وَكُلّمَا كَانَتْ الْمَحَبّةُ أَقْوَى وَأَشَدّ كَانَ الصّدْرُ أَفْسَحَ وَأَشْرَحَ، وَلَا يَضِيقُ إلّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَطّالِينَ الْفَارِغِينَ مِنْ هَذَا الشّأْنِ فَرُؤْيَتُهُمْ قَذَى عَيْنِهِ وَمُخَالَطَتُهُمْ حُمّى رُوحِهِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصّدْرِ: الْإِعْرَاضُ عَنْ اللّهِ تَعَالَى، وَتَعَلّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبّةُ سِوَاهُ فَإِنّ مَنْ أَحَبّ شَيْئًا غَيْرَ اللّهِ عُذّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفَ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا.

فَهُمَا مَحَبّتَانِ:

- مَحَبّةٌ هِيَ جَنّةُ الدّنْيَا، وَسُرُورُ النّفْسِ، وَلَذّةُ الْقَلْبِ، وَنَعِيمُ الرّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرّةُ عَيْنِهَا، وَهِيَ مَحَبّةُ اللّهِ وَحْدَهُ بِكُلّ الْقَلْبِ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةُ وَالْمَحَبّةُ كُلّهَا إلَيْهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير