8. قوله جل وعلا (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقوله عليه الصلاة والسلام (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) ليس خطاباً للأفراد بأعيانهم, بمعنى أن كل فرد يلزمه أن يصوم أو لا يصوم إلا برؤيته بنفسه, بل الخطاب للمجموع, لكن هل هو لمجموع الأمة بكاملها بحيث تتحد رؤية المشرق مع المغرب والشمال مع الجنوب؟ أو هو خطاب لكل من تتأتى منه الرؤية في بلده أو في إقليمه؟ هو خطاب لكل من تتأتى منه الرؤية في بلده أو في إقليمه على القول باختلاف المطالع, والنص محتمل وكذا الحديث, إما أن يكون الخطاب للجماعة بكاملها, وإما أن يكون للمجموعات كل مجموعة على حدة. لو قلنا إنه خطاب للأمة بمجموعها لقلنا إنه يلزم الصيام برؤية من تثبت الرؤية به ولو كان في أقصى المشرق أو في أقصى المغرب.
9. قوله (الفطر يوم يفطر الناس): هل المراد بالناس كل المسلمين في جميع بقاع الأرض؟ أو المراد بالناس كل من اتحد في المطلع دون غيرهم؟ المسألة خلافية بين أهل العلم, وسيأتي استيفاؤها إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام.
10. قوله (والأضحى يوم يضحي الناس): لو جاء من يشهد بأنه رأى هلال ذي الحجة في ليلة كذا, أو لم تأت شهادة ولم يُرَ الهلال لغيمٍ أو شبهه وأُكمِل شهر ذي القعدة ثلاثين وكان الهلال قد طلع قبل ذلك, ووقف الناس في اليوم العاشر, وضحوا في اليوم الحادي عشر, فإن وقوفهم صحيح, وأضاحيهم يوم يضحي الناس صحيحة, بناءً على هذا الحديث.
11. حديث أبي عمير بن أنس (أن ركباً جاؤوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس, فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم): هو ابن أنس بن مالك الصحابي الجليل, وليس هو المخاطب بقوله عليه الصلاة والسلام (يا أبا عمير ما فعل النغير؟) بل المخاطب بهذا الحديث هو أخو أنس بن مالك وقد مات صغيراً, وأما أبا عمير بن أنس فقد عُمِّر بعد أبيه زمناً طويلاً, مع أن أباه عاش إلى سنة ثلاث وتسعين من الهجرة. وهو تابعي من صغار التابعين.
12. الركب جمع راكب, كـ (صحب) جمع صاحب, فالركب أكثر من واحد.
13. هؤلاء الركب جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعد الزوال وبعد خروج وقت صلاة العيد, وقبل شهادتهم فأمر الناس أن يفطروا, ويكون هذا اليوم هو يوم العيد.
14. الحديث صحيح.
15. إذا لم يُرَ الهلال إلا بعد الزوال أو لم يبلغ خبره إلا بعد الزوال لزم الفطر لأن صيام يوم العيد حرام, ثم تقضى صلاة العيد من الغد.
16. هل يوم العيد هو اليوم الذي رؤي فيه الهلال أو هو اليوم الذي حصلت فيه الصلاة؟ هل يجوز صيام اليوم الذي صليت فيه صلاة العيد؟ إذا حصل مثل هذا في عيد الأضحى فهل أيام التشريق بعد اليوم الذي صليت فيه صلاة العيد يومان أو ثلاثة؟ إذا قلنا إن يوم العيد هو اليوم الذي رؤي فيه الهلال فاليوم الثاني ليس بعيد ويجوز صيامه, وإذا قلنا إن يوم العيد هو اليوم الذي صليت فيه صلاة العيد فإنه لا يجوز صيامه, ويبقى أن الاحتياط ألا يُصَام اليوم الثاني.
17. هذا الحديث دليل على أن صلاة العيد تصلي في اليوم الثاني إذا فات وقتها, وعلى القول بأن العيد يكون في اليوم الذي رؤي فيه الهلال فإن الصلاة تكون حينئذ قضاء, وعلى القول بأن العيد يكون في اليوم الذي تصلى فيه الصلاة فإنها تكون حينئذ أداء.
18. ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد لا تقضى مطلقاً لأن وقتها قد ذهب, لا سيما عند من يقول إنها سنة, لأن السنة إذا فات محلها لا تقضى, لا بالنسبة للمجموع إذا لم يعلموا به إلا بعد الزوال, ولا بالنسبة للأفراد لمن فاتته صلاة العيد. وأما على القول بوجوبها فلا إشكال في كونها تقضى.
19. من أهل العلم من يرى أن صلاة العيد واجبة على الأعيان, فكل من تجب عليه الجمعة تجب عليه صلاة العيد, وهذا قول الحنفية, ويرجحه شيخ الإسلام, لمداومة النبي عليه الصلاة والسلام عليها, ولمداومة خلفاءه من بعده عليها, ولأمره الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور بالخروج إليها, فالرجال من باب أولى. ويستدلون بقوله تعالى (فصل لربك وانحر) على أن المراد بالصلاة صلاة العيد, وهي واجبة عندهم وليست بفرض, لأن الدلالة عليها ليست قطعية.
20. من أهل العلم من يرى أنها فرض كفاية, وليست بواجبة على الأعيان, لأنها شعيرة من شعائر الإسلام, وشعار يسقط بقيام البعض به كالجهاد.
¥