21. القول الثالث أنها سنة مؤكدة, ويستدلون عليه بالعمومات, ومنها (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة) , وهذا عند من يقول إنه لا يجب من الصلوات غير الخمس. وأما من يوجب صلوات أخرى فإنه يخصص هذا العموم بمثل هذه الأحاديث, أو يقول إن الحصر بخمس إنما هو في اليوم والليلة, لا في العام ولا في الشهر ولا في الأسبوع, بالنسبة لليوم والليلة فلا يجب إلا خمس صلوات.
22. القول بوجوبها متجه, فالنبي عليه الصلاة والسلام داوم عليها, ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه تخلف عنها, وأمر بها النساء. وقيل بوجوبها حتى على النساء, وهذا دليل على تأكدها.
23. حديث أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات): قوله (كان) يدل على المداومة, والمعنى كان لا يغدو يوم عيد الفطر إلى صلاة العيد حتى يأكل تمرات.
24. في رواية معلقة في البخاري موصولة عند أحمد (ويأكلهن أفراداً): إسنادها حسن, وهي تنص على أنه يأكل هذه التمرات وتراً, ويرجح السبع حديث (من تصبح بسبع تمرات) لكن الواحدة وتر وكذلك الثلاث وهكذا.
25. الحكمة في الأكل قبل صلاة العيد أن العيد تعقب الصيام, فيأكل قبل الصلاة لئلا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد.
26. يقول ابن حجر في فتح الباري: الحكمة في استحباب التمر ما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم - ولذا كانت السنة الإفطار على التمر - أو لأن الحلو مما يوافق الإيمان ويُعبَّر به في المنام ويرقق القلب ومن ثَمَّ استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقاً - لكن كأن التمر له خصائص لا توجد في غيره فلا يقوم غيره مقامه, لكن إذا عدم التمر قام مقامه الماء, وأما القول بأن التنصيص على التمر لأنه حلو فإنه مجرد استنباط من واقعه لا يدل عليه النص, ولا شك أن التمر هو الثابت بالنص فالإفطار عليه هو المتأكد فلا يعدل عنه إلى غيره مع وجوده, إلا إذا كان الإنسان يضره الإفطار على التمر فإنه يسوغ له أن يفطر على غيره -.
27. جاء في الخبر أن الله وتر يحب الوتر, والوتر في الجملة محبوب في الشرع.
28. حديث ابن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم, ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي): هذا الحديث يشهد لما قبله.
29. قوله (لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم): أي حتى يطعم التمرات, لأن أولى الأطعمة ما نُصَّ عليه للاهتمام بشأنه والعناية به, لكن إذا لم يجد ما نُصَّ عليه فإن أي طعام يدخل في العموم.
30. قوله (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي): لكي يبادر بذبح أضحيته والأكل منها, ولذا شُرِع تعجيل صلاة عيد الأضحى.
31. في الباب أحاديث برواية البيهقي: يقول (وكان إذا رجع - يعني من صلاة العيد - أكل من كبد أضحيته).
32. قد يقول قائل: وفي الأضحى أيضاً العيد قد تعقب أيام صيام وهي تسع ذي الحجة أو عرفة فلم لا يشرع الأكل قبل الصلاة مثل عيد الفطر؟ الجواب: هذا الصيام سنة وليس بواجب.
33. حديث أم عطية (أُمِرْنا أن نخرج العواتق والحُيَّض في العيدين, يشهدن الخير ودعوة المسلمين, ويعتزل الحُيَّض المصلى): أم عطية هي نُسَيبة - أو نَسِيبة - بنت الحارث أو بنت كعب, روت أحاديث صارت مرجعاً للصحابة والتابعين في بعضها, لا سيما حديث تغسيل الميت, فإنها غسَّلت ابنة النبي عليه الصلاة والسلام, فصار الصحابة والتابعون يسألونها عن كيفية تغسيل الميت.
34. حُذِف الآمر في قولها (أُمِرْنا) للعلم به, وهو النبي عليه الصلاة والسلام, وفي رواية للبخاري (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج العواتق).
35. قول الصحابي (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) مساوٍ لقوله عليه الصلاة والسلام (افعلوا) , فكأنه قال هنا (أخرجوا العواتق والحُيَّض) , فلا فرق بين صيغة الأمر وبين التعبير بالأمر, ولا التفات لقول من يقول إنه لا حجة فيه حتى ينقل اللفظ النبوي, لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية.
36. العواتق هن البنات الأبكار البالغات, والحُيَّض هن من تلبسن بالحيض, وذوات الخدور هن اللواتي لا يبرزن للأسواق. وذوات الخدور والمخدَّرات وصف معروف بين المسلمين, ويوجد في بعض الجهات إلى الآن من النساء من لا تخرج أبداً, وخروج النساء على خلاف الأصل, والمرأة التي تخرج تسمى (بَرْزَة).
¥