تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقصود أنَّ ما تقر به العين أعلى من مجرد ما يحبه، فالصلاة قُرَّةُ عيون المحبين في هذه الدنيا لما فيها من مناجاة من لا تقر العيون، ولا تطمئن القلوب، ولا تَسكُن النفوس إلا إليه، والتنعم بذكره والتذلل والخضوع له، والقرب منه، ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه فيها ومن هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا بلال أرحنا بالصلاة) [مسند أحمد - 22009]، فأُعلم بذلك أن راحته -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة كما أخبر أن قُرَّةُ عينه فيها فأين هذا من قول القائل: "نصلي ونستريح من الصلاة! "

فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة، والغافل المُعْرِضُ ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاة كبيرة شاقة عليه، إذا قام فيها كأنه على الجمر حتى يتخلص منها، وأحبُ الصلاة إليه أعجلها وأسرعها، فإنه ليس له قرة عين فيها، ولا لقلبه راحة بها، والعبد إذا قرَّت عينه بشيء واستراح قلبه به فأشق ما عليه مفارقته، والمُتَكَلِّف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة المبتلى بمحبة الدنيا أشق ما عليه الصلاة، وأكره ما إليه طولها، مع تفرغه وصحته وعدم اشتغاله!!

ومما ينبغي أن يعلم أن الصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي التي تجمع ستة مشاهد:

المشهد الأول: الإخلاص

وهو أن يكون الحامل عليها والداعي إليها رغبة العبد في الله ومحبته له، وطلب مرضاته، والقرب منه، والتودد إليه وامتثال أمره، بحيث لا يكون الباعث له عليها حظًا من حظوظ الدنيا ألْبَتَّةَ، بل يأتي بها ابتغاء وجه ربه الأعلى، محبةً له، وخوفًا من عذابهِ، ورجاءً لمغفرته وثوابه.

المشهد الثاني: مشهد الصِّدقِ والنصح

وهو أن يُفرِّغ قلبه لله فيها، ويستفرغ جهده في إقباله فيها على الله، وجمع قلبه عليها وإيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهرًا وباطنًا، فإن الصلاة لها ظاهر وباطن، فظاهرها الأفعال المشاهدة والأقوال المسموعة، وباطنها الخشوع والمراقبة وتفريغ القلب لله، والإقبال بكليته على الله فيها بحيث لا يلتفت قلبه عنه إلى غيره، فهذا بمنزلة الروح لها والأفعال بمنزلة البدن، فإذا خلت من الروح كانت كبدن لا روح فيه.

أفلا يستحي العبد أن يواجه سيده بمثل ذلك؟! ولهذا تُلف كما يُلفُ الثوب الخَلِق ويُضربُ بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني.

والصلاة التي كمل ظاهرها وباطنها تصعد ولها نور وبرهان كنور الشمس حتى تُعرض على الله فيرضاها ويقبلها وتقول حفظك الله كما حفظتني.

المشهد الثالث: المتابعة والاقتداء

وهو أن يحرص كل الحرص على الاقتداء في صلاته بالنبي ويصلي كما كان يصلي ويعرض عما أحدث الناس في الصلاة من الزيادة والنقصان، والأوضاع التي لم ينقل عن رسول الله شيء منها ولا عن أحد من أصحابة ولا يقف عند أقوال المرخصين الذين يقفون مع أقل ما يعتقدون وجوبه ويكون غيرهم قد نازعهم في ذلك وأوجب ما أسقطوه ولعل الأحاديث الثابتة والسنة النبوية من جانبه ولا يلتفتون إلى ذلك ويقولون نحن مقلدون لمذهب فلان وهذا لا يخلص عند الله ولا يكون عذرا لمن تخلف عما علمه من السنة عنده فإن الله سبحانه إنما أمر بطاعة رسوله واتباعه وحده ولم يأمر باتباع غيره وإنما يطاع غيره إذا أمر بما أمر به الرسول وكل أحد سوى الرسول فمأخوذ من قوله ومتروك.

وقد أقسم الله سبحانه بنفسه الكريمة أنا لا نؤمن حتى نحكم الرسول فيما شجر بيننا وننقاد لحكمه ونسلم تسليما فلا ينفعنا تحكيم غيره والانقياد له ولا ينجينا من عذاب الله ولا يقبل منا هذا الجواب إذا سمعنا نداءه سبحانه يوم القيامة ? مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ? [القصص - 65] فإنه لا بد أن يسألنا عن ذلك ويطالبنا بالجواب قال تعالى ?فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ? [الأعراف - 6] وقال النبي -صلى الله عليه سلم-: (أوحي إلي أنكم بي تفتنون وعني تسألون) [صحيح الجامع - 1/ 289 - 290]، يعني المسألة في القبر فمن انتهت إليه سنة رسول الله وتركها لقول أحد من الناس فسيرد يوم القيامة ويعلم.

المشهد الرابع: مشهد الإحسان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير