14. حديث المغيرة بن شعبة (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم, فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته, فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف) وفي رواية للبخاري (حتى تنجلي): الكسوف مصدر كَسَفَ يَكْسِفُ كسوفاً, ويقال (كَسَفَت الشمس) بفتح الكاف, وتُضَم (كُسِفَت) وهو نادر, كما يقال (انكسفت) و (خَسَفَت) و (انخفست) , وبالنسبة للشمس يُطلَق فيها اللفظان الكسوف والخسوف, وأما بالنسبة للقمر فثبت نسبة الخسوف له في القرآن, وأما نسبة الكسوف إلى القمر فصرحوا أنه لم يرد في هذا نص, إلا أنه إذا عُطِف على الشمس جاز إطلاق الكسوف عليه كما في هذا الحديث, فتقول (انكسفت الشمس) ولا تقول (انكسف القمر) , وتقول (خسفت الشمس وخسف القمر) للاثنين معاً.
15. الأصل في الكسوف في اللغة التغير إلى السواد, والخسوف النقصان. فالكسوف تَغَيُّرٌ في الشمس أو القمر بذهاب نورهما أو بعضه, وعلماء الهيئة يقررون من القِدَم إمكانية معرفة وقت الكسوف بدقة وإمكانية إدراكه بالحساب ويجزمون بهذا, ومنهم من يقول إنه يمكن إدراكه على سبيل غلبة الظن لا جزماً, ومنهم من ينكر الإدراك بالكلية ويقول إنه من باب ادعاء معرفة ما في الغيب ويرمون من يخبر عن ذلك قبل وقوعه بأنه يدعي معرفة الغيب. وعلى كل حال ثبت أنه يمكن إدراكه بالحساب, وليس في إدراكه بالحساب ما يخل بكونه آية من آيات الله يخوِّف بها عباده ولذا شُرِعت هذه الصلاة, لكن إخبار عموم الناس بوقته قبل حدوثه وتكرر ذلك مراراً يجعل هذا الأمر طبيعياً عند عامة الناس ولا يؤثر فيهم الأثر الذي أثر في النبي عليه الصلاة والسلام وفي صحابته الكرام, فالنبي عليه الصلاة والسلام لما انكسفت الشمس خرج مسرعاً يجر رداءه يظنها الساعة.
16. الفائدة من حدوث مثل هذا تخويف العباد, وقد قال الله جل وعلا (وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً) , لكي يخاف الناس ويرجعون إلى ربهم ويفزعون إلى الصلاة ويشغلون وقتهم بالصلاة والدعاء بما يرضي الله جل وعلا عنهم لتعود هذه الآية إلى عادتها.
17. يقرر علماء الهيئة أيضاً أنه قد يصحب هذا التغير في هاتين الآتين خلل يتضرر به بعض الناس, ويقررون أيضاً أن سبب الكسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر, يقررون أن القمر إنما يستمد نوره من الشمس, فإذا حالت الأرض بين الشمس والقمر ذهب نور القمر. ووُجِد على هذا أنهم جزموا بأن الأرض أصغر بكثير من الشمس فكيف يتم حجب الكبير بالصغير؟ يتم ذلك بسبب القرب والبعد, فينحجب البعيد إذا حال دونه القريب ولو كان أصغر منه, بدليل أن اليد على صغرها تحجب الباب على كبره لبعده وقربها, فلا إشكال من هذه الحيثية, لكن يبقى أن مسألة التخويف بهاتين الآيتين يزول مع الإخبار بوقت الكسوف ووقت انجلاءه, فلا ينبغي الاعتناء بتقرير ذلك قبل وقته, وإذا عُرِف لا ينبغي أن يُلقَى على العامة لكي تبقى الفائدة من حصوله قائمة ويبقى الارتباط بالله جل وعلا, ونحن نرى أثر الإخبار بذلك واضحاً في حياة الناس.
18. قوله (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم): يعني مرة واحدة, يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم, وكان هذا في السنة العاشرة في اليوم العاشر أو الرابع - قولان - من ربيع الأول, ومعلوم أنه كالمتفق عليه بين أهل الهيئة أن الشمس لا تنكسف إلا في آخر الشهر, كما أن القمر لا ينخسف إلا في منتصف الشهر. فهنا انكسفت في اليوم العاشر أو الرابع على غير عادتها.
19. خطب بهم بعد أن صلى بهم صلاة الكسوف, وقد صُرِّح بالخطبة وفي كثير من الروايات لم يُصَرَّح بها, فقال (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) وفي بعض الروايات (يخوف بهما عباده).
20. قوله (لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته): قوله (ولا لحياته) مبالغة في النفي لأنه لم يقل أحد إنهما ينكسفان لحياة عظيم أو شرِّير أو ظالم, وبعضهم يقول إنه يتصور أن يقول أحد إنه يمرض عظيم مرضاً شديداً يقرب من الهلاك فإذا شفي وعوفي قيل إنه حيي.
¥