21. قد يكون ذكر الحياة مبالغة في النفي, كما قال الراوي في حديث نفي البسملة (لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها) ومعلوم أنه ليس في آخر القراءة بسملة, لكن يستعمل مثل هذا الأسلوب للمبالغة في النفي.
22. جاء الأمر بصلاة الكسوف بقوله في الحديث (وصلوا) , وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة, ونقل النووي الإجماع على أنها سنة, وقد ترجم أبو عوانة في صحيحه (باب وجوب صلاة الكسوف) وأخرج الحديث الذي فيه الأمر الصريح بها, والأصل في الأمر الوجوب, والجماهير قالوا بعدم الوجوب لعموم حديث (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة).
23. قوله (فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا): التعقيب بالفاء يدل على أن المسلم إذا رأى ذلك فإنه يفزع إلى الصلاة في أي وقت كان, وبهذا يستدل من يقول إن صلاة الكسوف تُفعَل في أوقات النهي لأن الصلاة عُلِّقت بمجرد الرؤية وقد يحصل ذلك في وقت النهي.
24. خسوف القمر يمكن أن يحصل بعد صلاة الفجر, أي في وقت النهي, وقد حصل قبل سنوات في هذا الوقت, وبعض الناس لم يعلم به إلا قبيل بزوغ الشمس أي في وقت النهي المغلَّظ, فالذي يقول بوجوب صلاة الكسوف لا إشكال عنده, وأما على قول الأكثر أنها سنة فالذي يقول إنها ذات سبب ويرى جواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي كالشافعية لا إشكال عندهم, والذي يرى عدم جواز فعل ذوات الأسباب وغيرها في أوقات النهي فإنه يمنع من هذه الصلاة, فعند الحنابلة والحنفية والمالكية لا تُفعَل صلاة الكسوف في أوقات النهي لأنها سنة وإن كانت ذات سبب إلا أن النهي مقدم على الفعل.
25. قوله (حتى تنكشف): إذا غابت الشمس وهي كاسفة أو طلعت الشمس والقمر خاسف ما ذا يصنعون؟ في الزاد وغيره (وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصلوا) , ويعللون هذا بذهاب وقت الانتفاع بهما, لكن الغاية التي تنتهي بها الصلاة هي الانكشاف, وإذا غابت الشمس في حال كسوف الشمس أو طلعت في حال خسوف القمر تكون الغاية التي تنتهي بها الصلاة مجهولة, وكلامهم له وجه.
26. ما ذا لو فرغ من الصلاة قبل أن تنكشف؟ الجواب: لا يعيد الصلاة, وإنما يلزم الذكر ويكثر من الاستغفار ويلجأ إلى الله جل وعلا بالدعاء ويستمر في ذلك حتى تنكشف.
27. ماذا لو انكشفت وهو في الصلاة؟ الجواب: يتمها خفيفة.
28. في البخاري من حديث أبي بكرة قال (فصلوا وادعوا حتى يُكشَف ما بكم) وفي حديث المغيرة قال (فادعوا الله وصلوا): ليكون الدعاء قبل الصلاة وبعدها, فيدعى قبل الصلاة بالانكشاف, ويدعى بعدها إذا سلم من الصلاة قبل الانكشاف.
29. حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات): هذا نص في أن صلاة الكسوف جهرية, وقد قال بهذا جمع من أهل العلم, سواء كانت في الليل أو في النهار, لأن النبي صلى الله عليه وسلم جهر فيها, والذي حصل في وقته كسوف الشمس بالنهار, فإذا جهر في كسوف الشمس فمن باب أولى أن يجهر في خسوف القمر, والحديث صريح في هذا.
30. منهم من يرى الإسرار مطلقاً, لحديث ابن عباس (انخسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة) ولو جهر بها النبي عليه الصلاة والسلام ما قال ابن عباس (نحواً) , فتقديره القراءة بقوله (نحواً) دليل على أنه لم يسمع وإنما لطول القيام قدَّره بسورة. ويجيب أصحاب القول الأول - ومعهم التصريح بأنه جهر فيها عليه الصلاة والسلام - بأنه يحتمل أن ابن عباس كان بعيداً عن النبي عليه الصلاة والسلام فلم يسمع جهره بالقراءة.
31. منهم من يقول إنه مخير بين الجهر والإسرار عملاً بالحديثين, لكن مثل هذا التخيير إنما يكون لو تعددت القصة ويكون النبي عليه الصلاة والسلام مرةً جهر بها ومرةً أسر بها, ولما كانت القصة الواحدة فهو إما أن يكون قد جهر وإما أن يكون قد أسر, والمشروع موافقة فعله عليه الصلاة والسلام.
¥