43. في قوله (فخطب الناس) دليل على أن صلاة الكسوف تشرع لها الخطبة, وبهذا قال الشافعية, ومن أهل العلم من يرى أنه لا خطبة لصلاة الكسوف وإنما هذه موعظة وليست بخطبة, فليست لها مراسم الخطبة بحيث يرقى المنبر ويحمد الله ويثني عليه ويأتي بأركان الخطبة وشروطها, وإنما هي كلمة توجيهية بعد الصلاة للتنبيه على خطأ وقعوا فيه, فإذا كان الناس بحاجة إلى التنبيه على شيءٍ بعينه فإنه يتكلم بعد الصلاة ويرشدهم, وإذا لم يكونوا بحاجة فليس هناك خطبة.
44. لكن قوله (فخطب الناس) صريح, اللهم إلا أن يكون هذا من فهم الراوي, بحيث يكون فهم أن هذا التوجيه كان خطبة, ولغيره أن يفهم أن هذا كان تنبيهاً على خطأ وقعوا فيه.
45. أكثر أهل العلم على أنها للحاجة الداعية إلى ذلك, وليست هناك خطبة.
46. حديث عائشة وحديث ابن عباس في الصحيحين, المتفق عليه أنها ركعتان, وفي كل ركعة ركوعان.
47. وفي رواية لمسلم (صلى حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات): أي أربعة ركوعات في الركعة الأولى وأربعة ركوعات في الركعة الثانية.
48. ولمسلم عن جابر (صلى ست ركعات بأربع سجدات): أي ثلاثة ركوعات في الركعة الأولى وثلاثة ركوعات في الركعة الثانية.
49. ولأبي داود عن أبي بن كعب (صلى فركع خمس ركعات وسجد سجدتين, وفعل في الثانية مثل ذلك): أي خمسة ركوعات في الركعة الأولى وخمسة ركوعات في الركعة الثانية, والمجموع عشرة ركوعات.
50. أما ما جاء في سنن أبي داود فهو خبرٌ منكر, لأن في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وهو ضعيف, وهو أيضاً مخالف لما في الصحيحين, لكن ماذا نقول عما جاء في صحيح مسلم؟ هل نقول إن جميع الصور جائزة, وهي حكاية حال وقعت من النبي عليه الصلاة والسلام؟ أو نقول إن القصة تعددت كما قال بعضهم؟ أهل السير يقررون أن القصة لم تتعدد, لم تحصل إلا مرة واحدة, وشيخ الإسلام يقرر ذلك وأنها لم تحصل إلا مرة واحدة وأن إبراهيم لم يمت إلا مرة واحدة, لأنها كلها فيها أن الشمس كسفت لما مات إبراهيم.
51. أهل العلم لهم في مثل هذا مسلكان: المسلك الأول هو الجزم, وهو أنه يُحكَم للرواية الراجحة بأنها هي المحفوظة, وهي هنا المتفق عليها, وعلى هذا يكون ما عداها شاذاً, ولذا حكموا على رواية مسلم بأنها شاذة لمخالفتها الرواية المتفق عليها في الصحيحين, والمسلك الثاني يسلكه من يحرص على صيانة الصحيحين من أن يوجد فيهما الشاذ - الذي هو من قبيل الضعيف – فيحكم بتعدد القصة, ويوهِّم أهل المغازي والسير, ويرى أن القصة حصلت أكثر من مرة لأنه ورد في الصحيح ما يدل على ذلك, فتخطئة أهل المغازي والسير أهون من التطاول على صحيح مسلم مثلاً.
52. من أهل العلم من يجزم ويقول: لا مانع أن يثبت الخبر إلى الصحابي على الشرط الذي اشترطه صاحب الكتاب, وحينئذ لا يكون خرج عن شرطه, ولا يمنع أن الصحابي أخطأ.
53. مثل حديث ابن عباس في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب ميمونة وهو محرم, وفي الصحيح أيضاً من حديث ميمونة نفسها ومن حديث أبي بكرة السفير بينهما أنه كان حلالاً, فالسند إلى ابن عباس لا إشكال فيه فهو على شرط الصحيح, لكن يبقى أن ابن عباس وَهِم, ومن يسلم من الوهم والخطأ؟!!. فيُحكَم على ما في الصحيح بأنه غير محفوظ لمخالفته ما هو أرجح منه.
54. بعض الناس يتوسع فيقول بتعدد القصة لتعدد السياق ولو كان الاختلاف فيه بين الروايات من اختلاف الرواة لا في أصل القصة, ومنهم من يتوسط فلا يحكم بتعدد القصة إلا إذا تغيرت القصة تغيراً جذرياً بحيث لا يمكن التوفيق بينها وبين غيرها.
55. جمهور أهل العلم أخذوا بالصورة الأولى المتفق عليها التي ذكرها ابن عباس, وبعض أهل العلم أخذ بالصورة الثانية, وكل واحد من الصحابة أخذ بنوعٍ من أنواعها.
56. يقول ابن القيم رحمه الله: كبار الأئمة لا يصححون التعدد - كالإمام أحمد والبخاري والشافعي - ويرونه غلطاً. وهذه قاعدة في كل ما اختلف فيه السياق بحيث لا يمكن التوفيق بين هذا الاختلاف من سياقٍ لآخر. يكون الاختلاف في المعنى لا في اللفظ, لأن الاختلاف في اللفظ أمره سهل لتجويزهم الرواية بالمعنى.
¥