تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - الصَّائِمُ إذْ أَفْطَرَ عَمْدًا لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ فِطْرُهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إتْمَامِ الْإِمْسَاكِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: قَدْ بَطَلَ صَوْمُكَ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْكُلَ فَكُلْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَقَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ. (ج2 ص89)

4 - لَا رَيْبَ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ شَرْطٌ، وَلَوْلَاهَا لَمَا كَانَ عِبَادَةً، وَلَا أُثِيبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ فَكَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي كَوْنِ هَذَا التَّرْكِ عِبَادَةً، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالصَّوْمِ، بَلْ كُلُّ تَرْكٍ لَا يَكُونُ عِبَادَةً وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا لَمْ يَأْثَمْ بِهِ، فَإِذَا نَوَى تَرْكَهَا لِلَّهِ ثُمَّ فَعَلَهَا نَاسِيًا لَمْ يَقْدَحْ نِسْيَانُهُ فِي أَجْرِهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِ تَرْكِهَا لِلَّهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهَا نَاسِيًا، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ فِعْلَ النَّاسِي غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} فَأَضَافَ فِعْلَهُ نَاسِيًا إلَى اللَّهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ، وَمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى اللَّهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ، فَلَمْ يُكَلَّفْ بِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُكَلَّفُ بِفِعْلِهِ، لَا بِمَا يُفْعَلُ فِيهِ، فَفِعْلُ النَّاسِي كَفِعْلِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَلَمَ الصَّائِمُ فِي مَنَامِهِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي الْيَقَظَةِ لَمْ يُفْطِرْ، وَلَوْ اسْتَدْعَى ذَلِكَ أَفْطَرَ بِهِ؛ فَلَوْ كَانَ مَا يُوجَدُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ كَمَا يُوجَدُ بِقَصْدِهِ لَأَفْطَرَ بِهَذَا وَهَذَا.

[هَلْ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ؟].

فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُفَطِّرُونَ الْمُخْطِئَ كَمَنْ أَكَلَ يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا أَفْطَرَ.

قِيلَ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا قَالُوا: فِعْلُ الْمُخْطِئِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، بِخِلَافِ النَّاسِي.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي مَسْأَلَةِ الْغُرُوبِ دُونَ مَسْأَلَةِ الطُّلُوعِ كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ الشَّكُّ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: لَا يُفْطِرُ فِي الْجَمِيعِ أَقْوَى، وَدَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَظْهَرُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَوَّى بَيْنَ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ أَفْطَرُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ، وَلَكِنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ، وَأَبُوهُ عُرْوَةُ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ.

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَكَلُوا حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ الْخَيْطُ الْأَسْوَدُ مِنْ [الْخَيْطِ] الْأَبْيَضِ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِقَضَاءٍ وَكَانُوا مُخْطِئِينَ، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ النَّهَارَ فَقَالَ: لَا نَقْضِي؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَقْضِي، وَإِسْنَادُهُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ؛ فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير