تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما اقتضاء النظر له فإن المختلعة لم تبق لزوجها عليها عدة، وقد ملكت نفسها وصارت أحق ببضعها، فلها أن تتزوج بعد براءة رحمها، فصارت العدة في حقها بمجرد براءة الرحم، وقد رأينا الشريعة جاءت في هذا النوع بحيضة واحدة كما جاءت بذلك في المسبية والمملوكة بعقد معاوضة أو تبرع والمهاجرة من دار الحرب، ولا ريب أنها جاءت بثلاثة أقراء في الرجعية، والمختلعة فرع متردد بين هذين الأصلين؛ فينبغي إلحاقها بأشبههما بها؛ فنظرنا فإذا هي بذوات الحيضة أشبه.

ومما يبين حكمة الشريعة في ذلك أن الشارع قسم النساء إلى ثلاثة أقسام: أحدها: المفارقة قبل الدخول؛ فلا عدة عليها ولا رجعة لزوجها فيها.

الثاني: المفارقة بعد الدخول إذا كان لزوجها عليها رجعة، فجعل عدتها ثلاثة قروء، ولم يذكر سبحانه العدة بثلاثة قروء إلا في هذا القسم، كما هو مصرح به في القرآن في قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} وكذا في سورة الطلاق لما ذكر الاعتداد بالأشهر الثلاثة في حق من إذا بلغت أجلها خير زوجها بين إمساك بمعروف أو مفارقتها بإحسان، وهي الرجعية قطعا، فلم يذكر الأقراء أو بدلها في حق بائن ألبتة.

القسم الثالث: من بانت عن زوجها وانقطع حقه عنها بسبي أو هجرة أو خلع؛ فجعل عدتها حيضة للاستبراء، ولم يجعلها ثلاثا؛ إذ لا رجعة للزوج، وهذا في غاية الظهور والمناسبة؛ وأما الزانية والموطوءة، بشبهة فموجب الدليل أنها تستبرأ بحيضة فقط، ونص عليه أحمد في الزانية، واختاره شيخنا في الموطوءة بشبهة، وهو الراجح، وقياسهما على المطلقة الرجعية من أبعد القياس وأفسده.

فإن قيل: فهب أن هذا قد سلم لكم فيما ذكرتم من الصور، فإنه لا يسلم معكم في المطلقة ثلاثا؛ فإن الإجماع منعقد على اعتدادها بثلاثة قروء مع انقطاع حق زوجها من الرجعة، والقصد مجرد استبراء رحمها.

[حكمة عدة المطلقة ثلاثا] قيل: نعم هذا سؤال وارد، وجوابه من وجهين: أحدهما: أنه قد اختلف في عدتها: هل هي بثلاثة قروء أو بقرء واحد؟ فالجمهور - بل الذي لا يعرف الناس سواه - أنها ثلاثة قروء، وعلى هذا فيكون وجهه أن الطلقة الثالثة لما كانت من جنس الأوليين أعطيت حكمهما؛ ليكون باب الطلاق كله بابا واحدا، فلا يختلف حكمه، والشارع إذا علق الحكم بوصف لمصلحة عامة لم يكن تخلف تلك المصلحة والحكمة في بعض الصور مانعا من ترتب الحكم، بل هذه قاعدة الشريعة وتصرفها في مصادرها ومواردها.

الوجه الثاني: أن الشارع حرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره، عقوبة له، ولعن المحلل والمحلل له لمناقضتهما ما قصده الله سبحانه من عقوبته؛ وكان من تمام هذه العقوبة أن طول مدة تحريمها عليه؛ فكان ذلك أبلغ فيما قصده الشارع من العقوبة، فإنه إذا علم أنها لا تحل له حتى تعتد بثلاثة قروء، ثم يتزوجها آخر بنكاح رغبة مقصود لا تحليل موجب للعنة، ويفارقها، وتعتد من فراقه ثلاثة قروء أخر، طال عليه الانتظار، وعيل صبره، فأمسك عن الطلاق الثلاث، وهذا واقع على وفق الحكمة والمصلحة والزجر؛ فكان التربص بثلاثة قروء في الرجعية نظرا للزوج ومراعاة لمصلحته لما لم يوقع الثالثة المحرمة لها، وها هنا كان تربصها عقوبة له وزجرا لما أوقع الطلاق المحرم لما أحل الله له، وأكدت هذه العقوبة بتحريمها عليه إلا بعد زوج وإصابة وتربص ثان.

وقيل: بل عدتها حيضة واحدة، وهي اختيار أبي الحسين بن اللبان؛ فإن كان مسبوقا بالإجماع فالصواب اتباع الإجماع، وأن لا يلتفت إلى قوله، وإن لم يكن في المسألة إجماع فقوله قوي ظاهر، والله أعلم.

[عدة المخيرة وحكمتها] فإن قيل: فقد جاءت السنة بأن المخيرة تعتد ثلاث حيض، كما رواه ابن ماجه من حديث {عائشة قالت: أمرت بريرة أن تعتد ثلاث حيض}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير