تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصل [حكمة عدة الطلاق] وأما عدة الطلاق فلا يمكن تعليلها بذلك؛ لأنها إنما تجب بعد المسيس بالاتفاق، ولا ببراءة الرحم؛ لأنه يحصل بحيضة كالاستبراء، وإن كان براءة الرحم بعض مقاصدها.

ولا يقال: " هي تعبد " لما تقدم، وإنما يتبين حكمها إذا عرف ما فيها من الحقوق؛ ففيها حق الله، وهو امتثال أمره وطلب مرضاته، وحق للزوج المطلق وهو اتساع زمن الرجعة له، وحق للزوجة، وهو استحقاقها للنفقة والسكنى ما دامت في العدة، وحق للولد، وهو الاحتياط في ثبوت نسبه وأن لا يختلط بغيره، وحق للزوج الثاني، وهو أن لا يسقي ماءه زرع غيره، ورتب الشارع على كل واحد من هذه الحقوق ما يناسبه من الأحكام؛ فرتب على رعاية حقه هو لزوم المنزل وأنها لا تخرج ولا تخرج، هذا موجب القرآن ومنصوص إمام أهل الحديث وإمام أهل الرأي.

ورتب على حق المطلق تمكينه من الرجعة ما دامت في العدة، وعلى حقها استحقاق النفقة والسكنى، وعلى حق الولد ثبوت نسبه وإلحاقه بأبيه دون غيره، وعلى حق الزوج الثاني دخوله على بصيرة ورحم بريء غير مشغول بولد لغيره؛ فكان في جعلها ثلاثة قروء رعاية لهذه الحقوق، وتكميل لها، وقد دل القرآن على أن العدة حق للزوج عليها بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} فهذا دليل على أن العدة للرجل على المرأة بعد المسيس، وقال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} فجعل الزوج أحق بردها في العدة؛ فإذا كانت العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر طالت مدة التربص لينظر في أمرها هل يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان، كما جعل الله سبحانه للمولي تربص أربعة أشهر لينظر في أمره هل يفيء أو يطلق، وكما جعل مدة تسيير الكفار أربعة أشهر لينظروا في أمرهم ويختاروا لأنفسهم.

فإن قيل: هذه العلة باطلة؛ فإن المختلعة والمفسوخ نكاحها بسبب من الأسباب والمطلقة ثلاثا والموطوءة بشبهة والمزني بها تعتد بثلاثة أقراء، ولا رجعة هناك، فقد وجد الحكم بدون علته، وهذا يبطل كونها علة.

[عدة المختلعة] قيل: شرط النقض أن يكون الحكم في صورة ثابتا بنص أو إجماع، وأما كونه قولا لبعض العلماء فلا يكفي في النقض به، وقد اختلف الناس في عدة المختلعة؛ فذهب إسحاق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلا أنها تعتد بحيضة واحدة، وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس، وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف، وقد دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة دلالة صريحة، وعذر من خالفها أنها لم تبلغه، أو لم تصح عنده، أو ظن الإجماع على خلاف موجبها، وهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر: أما رجحانه أثرا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المختلعة قط أن تعتد بثلاث حيض، بل قد روى أهل السنن عنه من {حديث الربيع بنت معوذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأة فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي، فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت، فقال: خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها}؛ وذكر أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس {أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة}، قال الترمذي: الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة، وهذه الأحاديث لها طرق يصدق بعضها بعضا، وأعل الحديث بعلتين: أحدهما: إرساله، والثانية: أن الصحيح فيه " أمرت " بحذف الفاعل، والعلتان غير مؤثرتين؛ فإنه قد روي من وجوه متصلة، ولا تعارض بين أمرت وأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ من المحال أن يكون الآمر لها بذلك غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وإذا كان الحديث قد روي بلفظ محتمل ولفظ صريح يفسر المحتمل ويبينه، فكيف يجعل المحتمل معارضا للمفسر بل مقدما عليه؟ ثم يكفي في ذلك فتاوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ: هو إجماع من الصحابة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير