266. الصوم في الجهاد مرغَّب فيه بهذا النص, وهو الظاهر منه, لكن إذا ترتب عليه الضعف أمام العدو فالفطر أفضل, لأنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بالفطر وذكر لهم العلة (إنكم ملاقو العدو غداً). ويُكتَب له ما نواه وقصده إن شاء الله تعالى.
267. حديث عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم, وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان, وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان): يتسنى له أحياناً أن يسرد الصيام فيغتنم الأوقات التي يكون عليه العمل فيها أخف, وأحياناً لا يتسنى له ذلك وينشغل بالأمور العامة فيسرد الفطر.
268. قولها (وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان): مع أنه جاء النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين, وجاء أيضاً (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) وسيأتي الكلام عليه, وجاء أيضاً (أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم) , وهذا من الترغيب بالقول وبالفعل, فهو عليه الصلاة والسلام يرغِّب في صيام شهر الله المحرم بقوله, وثبت من فعله أنه كان يكثِر من الصيام في شعبان.
269. الصيام في شعبان يُسَنُّ الإكثار منه, وأيضاً الصيام في شهر الله المحرم والإكثار منه مطلوب.
270. جاءت العلة في الإكثار من صيام شعبان في حديثٍ لا يسلم من مقال وهو أنه شهرٌ يُغفَل عنه بين رجب ورمضان, واستغلال أوقات غفلة الناس مطلوب.
271. منهم من يرى أن المفاضلة في قوله عليه الصلاة والسلام (أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم) إنما هي بالنسبة للأشهر الحرم, وتفضيل الصيام في شعبان هو بالنسبة لغير الأشهر الحرم.
272. حديث أبي ذر (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام: ثلاث عشرة, وأربع عشرة, وخمس عشرة): الحديث جاء من طرق عديدة عن أبي ذر وأبي هريرة وغيرهما.
273. الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وأنها كصيام الدهر: أوصى النبي عليه الصلاة والسلام أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر, قال أبو هريرة (أوصاني خليلي بثلاث) ومنها (صيام ثلاثة أيام من كل شهر) , وأوصى بذلك أبا ذر وأبا الدرداء رضي الله عنهما, والمقصود أنها وصية النبي عليه الصلاة والسلام.
274. من صام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر, لأن الحسنة بعشر أمثالها, ومن صام ثلاثة أيام فكأنما صام شهراً كاملاً.
275. هذا الحديث جاء فيه أن هذه الثلاثة الأيام من كل شهر هي الأيام البيض, وهو حديث قابل للاحتجاج لأنه حسن.
276. إذا فرَّق هذه الأيام الثلاثة وجعلها في أيام الاثنين حصل له أجر صيام يوم الاثنين وأجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر, وإذا فرقها وجعلها في أيام الخميس حصل له أجر صيام يوم الخميس وأجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر, وإذا صام الاثنين ثم الخميس ثم الاثنين حصل له أجر صيام الاثنين والخميس وأجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر, وإذا صام الأيام البيض حصل له أجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر وامتثل الأمر الوارد في هذا الحديث, وأكمل من ذلك كله أن يصوم كل ما حُثَّ عليه, وأفضل من ذلك كله صيام داود عليه السلام, يصوم يوماً ويفطر يوماً.
277. حديث أبي هريرة (لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) وزاد أبو داود (غير رمضان): رمضان مستثنى شرعاً, فليس للزوج أن يمنع زوجته من صيامه, وليس للسيد أن يمنع الرقيق من صيامه, وليس للوالد أن يمنع الولد من صيامه, وليس للأم أن تمنع الولد من صيامه.
278. الأمور المفروضة في الشرع ليس لأحدٍ أن يتدخل فيها.
279. في صحيح البخاري عن الحسن (صبي أراد أن يصلي في المسجد فمنعته أمه) قال (ليس له أن يطيعها). لكن إن خُشِي على الصبي من تأثير المنحرفين عليه في طريقه إلى المسجد مع عدم وجود الأب فحينئذٍ يُرجَع إلى غلبة الظن ويوازن بين المصالح والمفاسد, وهذا بالنسبة لمن لا يتسنى له أن يصطحب معه ولده إلى المسجد, وأما من تسنى له ذلك فإنه ليس له أن يمنع ابنه من الصلاة في المسجد.
280. إذا كان الزوج حاضراً وعلمت المرأة أنه لا يريدها في شيء - لا لحاجته الخاصة ولا لحاجة البيت – وأنه لا يكره ذلك فلها أن تصوم, لأن هذا إذن عملي من الزوج لها, لكن له أن يمنعها لعموم الحديث, يمنعها لمصلحته أو لمصلحتها, وإذا انتفت مصلحة الطرفين فإن منعها تعنت.
281. حديث أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر): صيام هذين اليومين حرام بالإجماع, ولا يصح أيضاً, فلو صامه عن قضاء ما أجزأ, ولو نذر أن يصوم يوم العيد لم ينعقد النذر عند الجمهور, لأنه نذر معصية, وقد قال عليه الصلاة والسلام (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه). وعند الحنفية ينعقد لكن لا يجوز أن يصومه, بل يصوم يوماً مكانه.
282. لو نذر صوم يوم العيد فهو كما لو نذر أن يصوم في الليل مثلاً, لأنه ليس بمحل للصيام, ولا يجوز أن يتعبد بصيامه.
283. حديث نبيشة الهذلي (أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل): هذا خبرٌ يتضمن النهي, وعند أهل العلم أن النهي إذا جاء بصيغة الخبر كان أبلغ من النهي الصريح.
284. الأصل في النهي التحريم, وقال جمع من أهل العلم إن النهي هنا للتحريم, وأن هذه الأيام ملحقةٌ بالعيد, فحكمها حكمه وإن لم تكن بمنزلته في قوة التحريم, لأنه خُفِّف في أمرها بالنسبة لمن لم يجد الهدي, وأما يوم العيد فلا يُصَام بحال, وما دخله الاستثناء أخف حكماً مما لم يدخله الاستثناء.
285. حديث عائشة وابن عمر (لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لم يجد الهدي): الذي لم يجد الهدي يلزمه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله, والأصل أن يكون صيام الثلاثة الأيام في الحج قبل عرفة, على الخلاف في صوم يوم عرفة للحاج كما سيأتي, فيحرم قبل السادس من ذي الحجة ليكون صيامه الثلاثة الأيام في الحج قبل عرفة, لكن جاء الترخيص لمن لم يجد الهدي في أن يصوم أيام التشريق.
¥