تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أشرتُ إلى التجربة التاريخية الخطيرة التي لا أظنها تغيب عن المنظرين الغربيين من الليبراليين على وجه الخصوص، ألا وهي تلك الوثيقة الكنسية أو (المدونة البابوية) التي وضعتها الكنيسة الغربية لها ولأتباعها متخلية بها عن ثوابتها، وما كانت تقضي به لنفسها من حقوق وما تضعه عن نفسها وأتباعها من واجبات، لتحظر عليهم ما كان واجبا في ديانتها، وتحجِّر عليهم ما كان واسعا في نظرها، وتمنح فيه خصومها من اللادينيين مكاسب هائلة تتمثل في تخليها لهم عن الشؤون السياسية والعلمية وحتى الدينية تحت مسمى (المدنية).

ومن أهم فوائد علم الاستشراف (الدراسات المستقبلية): أنه يُعنى بكشف المشكلات المتوقعة قبل حدوثها، ليتم التهيؤ لمواجهة تلك المشاكل، ببذل الجهود البحثية ووضع التراتيب والخطط والسياسات المضادة، لمنع وقوع تلك المشكلات في بداياتها أو الحد من آثارها بعد تقدّم خطواتها؛ وهذا ما يطلق عليه بعض الباحثين: (وظيفة الإنذار المبكر).

وإذا حاولنا استشراف المشهد المستقبلي للنموذج التاريخي المشار إليه في تحقيق الأماني الراندية، وهو ما لم يصرح به التقرير المعلن لمؤسسة راند، فإننا سنصل إلى نتائج تستوجب الحذر، بل الحذر الشديد، خشية أن نقع ضحايا لخطط معلنة!

وفي بيان المشهد التاريخي، سأبدأ بعرض بعض مواد تلك الوثيقة البابوية والتنازلات الكنسية، التي وضعها المتدينون النصارى لغير المتدينين، وإن شئت فقل: قدَّمها الكنسيون للملحدين دون مقابل! وعنونها خبيرُ الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية أستاذُنا د. محمد بريش بـ (الاستبداد الديني! أو كشف اللثام عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام – حفريات معرفية في جذور صراع الكنيسة مع العلمانية. (لم يجانب أستاذنا الحقيقة في عنوان دراسته، فقد جاءت المادة (19) من تلك الوثيقة بتنازل كبير يمنح السلطة غير الدينية تحديد حقوق الكنيسة، وهذا نص ما جاء في المدونة البابوية!: " الكنيسة ليست مجتمعا صحيحا ومثالياً كامل الحريّة، وليست لها حقوق خاصّة ودائمة ومخوّلة لها من طرف مؤسسها المقدس، بل من حق السلطة المدنية أن تحدد ما هي حقوق الكنيسة، وفي أي حدود يمكنها ممارسة تلك الحقوق ". وجاءت المادة (31) بتنازل عن سلطتها في جانب الأحكام المدنية والجنائية، ونصه: " إن المنتدى أو المحكمة الكنسية للأحكام الدنيوية لرجال الدين، سواء على الصعيد المدني أو الجنائي، يلزم أن تلغى كليّة، وحتى بدون استشارة الكرسي البابوي، ودون أي اعتبار لاحتجاجاته ". بل منحت السلطة المدنية حق التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والتوجه الروحي! كما في المادة (43) ونصها: " يحق للسلطة المدنية التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والأخلاق والتوجه الروحي، ومن ثم فإنه يمكنها الحكم على الأوامر والتوجيهات الصادرة عن قساوسة الكنيسة ". وفي المادة (53) ألغت المدونة الكنسية القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية، وتعطي الحكومة الحق في مساندة من يتخلون عن دينهم!: " يلزم إلغاء القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية وحقوقها ووظائفها. يمكن للحكومة المدنية أن تساند كل أولئك الذين يرغبون في التخلي عن الحالة الدينية التي اعتنقوها ومخالفة عهودهم الرسمية، وفي نفس الوقت يمكنها -أي الحكومة المدنية- أن تحل كل هذه المجموعات الدينية، وكذلك الكنائس الجامعية، ومكاسبها البسيطة في حق الإشراف، وإخضاع ممتلكاتها ومداخلها لإدارة وقوة السلطة المدنية ". وفي المادة (55) حققت المدونة البابوية أمنية العلمانيين، بقولها: " يجب فصل الدين عن الدولة، وفصل الدولة عن الكنيسة "!

ومن هنا يمكننا أن نبدأ قراءة استشرافية لتقرير راند المعنون بـ " بناء شبكات مسلمة معتدلة " Building Moderate Muslim Networks . وذلك في نقاط تقتصر على الإشارات:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير