تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً: لنفترض كيفية وقوع تلك التنازلات: - ربما كانت نتيجة اختراق للمجالس الكنسية ممن يتظاهرون بالدين! - أو نتيجة تغييرات تربوية وسلوكية طرأت على بعض القيادات الدينية نتيجة تأثرها بنظريات فلسفية مُخترِقة عالقة، أو تصرفات كنسية متناقضة، أو اضطهاد داخلي، ونحو ذلك من المؤثِّرات .. - أو نتيجة ضغوط هائلة تمثلت في أكوام من الاتهامات الخطيرة حول ظلم الكنيسة واستبدادها وفسادها وتشويه سمعتها، لوضعها في موقف الدفاع، حتى أخذت تدافع بتنازل تلو تنازل، ويضغطون علميا (والتصرفات الكنسية الاستبدادية وغيرها قابلة للنقد العلمي ولا شك وهو ما لا يصح إسقاطه على الإسلام)، ويضغطون إعلاميا، حتى أدى ذلك في نهاية المطاف إلى انهيار أهم مبادئ الكنيسة (المحرّفة) التي كانت ترتسمها على مرّ حقبها التاريخية، بأقلام القساوسة والكهنة نتيجة هذه الضغوط وإشغالها بالدفاع الذي يضطرها للتنازل، ثم إقناعها بفشل مبادئها السائدة آنذاك وتنازلها عنها بإصدار المدونة آنفة الذكر .. - وربما كانت هذه المدونة صنيع فئة أكثر حضوراً، وأقوى أثراً وتأثيراً من الفئة المحافظة داخل الكنيسة، في حين كان المحافظون صوتا خافتا عاجزا، تمّ تجاوزه بقوة الخروج إلى الواقع بعد صنع قيادات بديلة.

ثانياً: لنقرأ لبّ تلك التنازلات في المشهد التاريخي: مما يمكن ملاحظته عند محاولة قراءة ذلك المشهد التاريخي: أنَّ الدين لم يُستبعد تماما، كأثر من آثار التنازلات الكنسية، وإنّما جُسِّد في شعارات وطقوس ووظائف تابعة فارغة من معاني السيادة والتمكين، ليحقق أغراض السياسيين اللادينيين في هدوء واطمئنان! وهذا الأمر ذاته تحقق في الحالة الأوربية المعاصرة، فلا زلنا نجد النص على الدِّين في دساتير عدد من الدول [1]! وهو أمر يطول الحديث فيه وفي دلالاته.

ومع ذلك فقد كان للمدونة البابوية أثر ظاهر في تغيير مناهج التعليم، فكان من أُولى الخطوات التي نتجت عن التنازل الكنسي في المجال التعليمي: استبعاد ما يتعلق بذم اليهود في مناهج التعليم الأوربية! - كما كان لتلك المدونة أثر أكبر في الجانب (التقنيني) والقضائي، فقد تم إلغاء كل ما كان للكنيسة من ذلك، بنص الماد (31) السابق ذكره، بل أعطت المدونة الكنسية للعلمانيين حقا بالتدخل في القضايا الدينية والخلقية والروحية! وهو ما نصت عليه المادة (43).

وأمَّا حرية الخروج على الدين والتجديف الإلحادي فهذا لب المادة (53) من تلك المدونة التي صنعها رجال الدين! - وأمَّا لبّ العلمانية في الناحية السياسية فهو ما نصت عليه المادة (55) التي أوجب فيها (رجال الدين) فصل الدين عن الدولة والدولة عن الدين! وإذا عدنا إلى واقع أمتنا، واستكملنا نظرتنا إليها بوضعها في مشهد (راندي) مستقبلي متواضع التحليل، فإنَّنا سنجد من خطوات الواقع ما يعطي مشهدا للمستقبل - ما لم نُغير ما بأنفسنا - وذلك في جهتين:

الأولى: من جهة ظهور الدعوات التي يطمح الرانديون في تحقيقها، وسأقتصر على أوضح أصولها:

1) ظهور الدعوات المناقضة للإسلام، كالفكر العلماني والليبرالي وإن بلبوس إسلامي، مستغلة الانحراف الفكري، لفئة من المحسوبين على أهل العلم والدعوة، منذ قرن، كما في كتاب (الإسلام وأصول الحكم، المنسوب لعلي عبد الرازق).

2) ظهور الدعوات التي تطالب بتغيير مناهج التعليم في البلاد الإسلامية ظهورا خطِرا، كما نشهد المناداة الإعلامية بتغيير المناهج في جميع بلاد الإسلام دون استثناء، ولم تخل تلك الدعوات من الإشارة إلى مراعاة الآخر، وإن كان الآخر ذلك الصهيوني المحتل لفلسطين.

3) ظهور التحريفات في الدين وتأويل النصوص من عدد من الكتّاب ممن يحسبون على أمة الإسلام، ممن بلغت بهم الجرأة أو الجهل أو الانهزامية حدّ المجاهرة بإحياء الدعوى القاديانية المنادية بإباحة الردة عن الإسلام، وعدم تجريم فاعلها، بلْه معاقبته، وذلك ضمن مقولات باطلة منها: نفيهم لمشروعية عقوبة المرتد، مع أنها دعوى قاديانية المنشأ، باطلة بطلان الديانة القاديانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير