تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله تعالى: فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، فمفسدة الأذى من الكافرين قدمت على مصلحة إتمام الصلاة.

ثانيًا: شواهد القاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح من السنة

أخرج البخاري بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة، لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم. {صحيح البخاري: 1586}.

قال الحافظ ابن حجر: لأن قريشًا كانت تعظم الكعبة جدًا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيَّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة. {فتح الباري}.

فترك النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام دفعًا لمفسدة راجحة.

والحديث أخرجه غير البخاري بروايات أخرى، فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، لأن قريشًا لما أعادت بناء الكعبة اشترطوا أن لا يضعوا فيها إلا نفقة طيبة، لا يدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس، فقصرت بهم النفقة، فتركوا بعض البيت في الحجر، وجعلوا لها بابًا واحدًا مرتفعًا حتى يدخلوا من يشاؤون ويمنعوا من يشاؤون.

وهذا الحديث هو الذي دفع ابن الزبير رضي الله عنهما لما احترقت الكعبة وأراد إعادة بنائها أدخل فيها الحجر، وجعل لها بابين كما كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الحجَّاج بعد ذلك هدمها مرة ثانية وأعادها إلى سابق عهدها.

يقول الحافظ ابن حجر: وفي الحديث فوائد منها: ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس، والمراد بالاختيار المستحب.

وفيه: اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب.

وفيه: تقديم الأهم فالمهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة.

وفيه: حديث الرجل مع أهله في الأمور العامة (يقصد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة)، وفيه: حرص الصحابة على امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم. {فتح الباري}

وقال الإمام النووي: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها:

إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة، وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا.

{صحيح مسلم بشرح النووي}

فائدة: في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية" بإفراد حديث وهي صفة قوم، والقوم جمع.

قال السيوطي في حاشية النسائي: ويمكن أن يوجه بأن لفظ القوم مفرد لفظًا وجمع معنى، فروعي إفراد اللفظ في جانب الخبر، كما روعي اللفظ في إرجاع الضمير في قوله تعالى: كلتا الجنتين آتت حيث أفرد آتت. {تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي}

قال النووي: قال العلماء: بني البيت خمس مرات، بنته الملائكة، ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قريش في الجاهلية، وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة، وقيل: خمس وعشرون سنة، وفيه سقط على الأرض حين رفع إزاره، ثم بناه الزبير، ثم الحجاج بن يوسف، واستمر إلى الآن (عصر النووي) على بناء الحجاج، وقيل بني مرتين أخريين أو ثلاثًا.

قال العلماء: ولا يغير عن هذا البناء، وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب.

فقال مالك: نشدتك بالله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت لعبة للملوك، لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس. {تحفة الأحوذي}

وقد استخدم الإمام مالك قاعدة: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وهي ذات القاعدة المستنبطة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة وإعادة بنائها، فأفتى هارون الرشيد بأن ترك مصلحة هدم الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يؤخر عن مفسدة ذهاب هيبة الكعبة من قلوب المسلمين.

- وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صَلَّوْا. {أخرجه مسلم وغيره}

قال ابن القيم: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله، لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله تعالى يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر. {إعلام الموقعين}

فمفسدة الفتنة التي تتأتى من الخروج على الحكام تقدم على مصلحة تغيير الحاكم بحاكم طائع لله ورسوله.

- وعن بُسر بن أرطاة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في الغزو". {أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي، ورواية النسائي: في السفر بدلاً من الغزو، وقوَّى إسناده الحافظ في الإصابة، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود والنسائي والترمذي}

فمصلحة تطبيق حدود الله التي أمر بها، أُخِّرَت عن مفسدة لحوق صاحب الحد بالمشركين حمية وغضبًا.

فالامر شرع واضح ليس اجتهاد لا يهمنا ان اسلم عشره وخسرنا خمسه او عشره فقط ما بالك ان غرف الفساد الاف والاف هناك

نسئل الله العفو والعافيه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير