[السؤال عن الرؤيا]
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[26 - 09 - 07, 08:55 ص]ـ
السؤالُ عَن الرؤيا
السؤالُ عن الرؤيا يراها المرءُ من الأمور التي تُشغلُ الرائي، فلا يَقر له قرار حتى يكشِفَ عَن تأويلِ رؤياه، بل ربما تكرَّرَ سؤاله أكثرَ مِن عابرٍ ليرسخ تأويلٌ يوافق شيئاً يُطمئنه.
و السؤالُ عن تأويل الرؤى مما يُسْتَحْسَنُ، و يُحمدُ من الشخصِ، و لعلَّ له منفذٌ إلى باب الشكرِ لله تعالى على ما أولاه مِن رؤيا حسنةٍ يرجو تحقُّقَها، أو رؤيا سوءِ يبتهلُ إلى اللهِ بدفعها.
و استحبابُ السؤالِ عَن الرؤيا مأخوذٌ مِن سؤالِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم عَنْ رؤاهم، فقد كان يسألهم: " هل رأى أحد منكم البارحةَ رؤيا ".
و مأخُوذٌ قَبْلُ مِن سؤالِ الفتَيَانِ يوسف عليه السلام، و كذلك سؤالُ الملِكِ، فقد أخذ المفسرون مِن ذلك أنَّ السؤالَ عَن الرؤيا مِن البَحْثِ عَن العلمِ، و هو محمود.
و ينبغي للرائي أن يسأل مَن هو أهلٌ للتعبير، على وَفْقِ قانون العابرِ للرؤيا، لا أن يسألَ كُلَّ مَن هبَّ و دبَّ.
و هُنا مسألةٌ تعرَّضَ لها أهلُ التعبيرِ، و هي: قَصُّ الرؤيا على المرأةِ، و لها مَبْحَثَانِ:
الأول: أنَّ المنقولَ مِن الأثرِ في ذلك مُتَكَلَّمٌ عليه مِن حيثُ الصِّناعة الإسنادية [انظر: " الموضوعات " (2/ 264)، " المنار المنيف " (ص: 132)]، و مِن ذلك حديثُ عائشةَ رضي الله عنهما مرفوعاً: " نَهى النبيُّ صلى الله عليه و سلم أنْ تُقَصَّ الرؤيا على النساءِ ".
الثاني: أنَّ المنْعَ واردٌ لأحدِ احتمالَيْن:
أولهما: أنَّ ذلكَ مِن بابِ نَفْي وُجودِ المُعَبِّراتِ من النساءِ، فكانَ المنعُ لابتداءِ المبادَرة في قَصِّ الرؤيا، و هذا الاحتمالُ يُبْطِلُه الحِسُّ، فَوُجودُ المُعَبِّرات معروفٌ مَشْهودٌ، كـ: عائشة، و أسماء، و غيرهما.
ثانيهما: أنَّ ذلك المنعُ لِعَدمِ صِحةِ تعبيرهنَّ، و هذا مردودٌ، لأنه يشترِكُ فيهِ كلُّ الناسِ، إذ العبرة بموافقةِ التعبيرِ أصولَه، فليسَ محصوراً على النساءِ، فَكم أخطأ رجلٌ و أصابتْ امرأة، و أهل التعبيرِ يَحْكونَ مِن ذلك شيئاً في كُتُبِهم مما يُثْبِتُ أنَّ لِذلك المُوْرَدِ ما يَنْقُضُه عِنْدَ أهل الفَنِّ.
و عِنْد السؤالِ عن الرؤيا، و حكايةِ المنام يُراعي آداباً:
الأول: التثَبُّتُ مِن ضَبْطِه لرؤياه، فإنَّ ضَبْط الرؤيا مهمٌ في تأويلها.
الثاني: تَحرِّي الصِدْقَ، فلا يفتري و يسوقُ ما لم يَُرَ في منامه، و مضى ذكرُ شأن الكذب في المنام.
الثالث: حكايةُ حالِه، إنْ بدا له أنَّ للرؤيا تعلُّقٌ بِهِ.
الرابع: أنْ لا يَقُصَّ رؤياهُ على معبِّرٍ و في مِصْرِه أو إقليمه مُعبِّرٌ أحذقَ منه.
الخامس: سؤالُ أهلٍ للتعبيرِ، و يأتي ذكرُ المتأهِّلِ في بابِهِ.
السادس: أنْ يَقُصَّ رؤياه هو بنفسِه على المُعَبِّرِ، و لا يُوْكل أحداً عنه، وذلك لِعِلَّتَيْن:
الأولى: ارتباطِ الرؤيا بحال الرائي، و في التوكيلِ يَعْسُرُ الوقوف على حال الرائي و معرفتها.
الثانية: قد يكون في الرؤيا ما هو خاصٌّ بالرائي، يصْعُبُ على المُعَبِّرِ ذكرُ ذلك للمُوَكَّلِ.
تنبيهان:
الأول: يَقَعُ مِن كثيرٍ مِن الناسِ حينَ يرونَ رؤيا الرجوعُ في تعبيرها إلى كُتبِ التعبيرِ، مُهملين بذلك السؤالَ عنها أهلَ العلم بالتعبيرِ، و قَد نصَّ كثيرٌ مِن العُلَماءِ على حُرْمَةِ ذلك، و كونه غيرُ جائزٍ شَرْعاً [انظر: " الفواكه الدواني " (2/ 457)، " شرح أقرب المسالك " (5/ 285)].
بَل إنَّ الاعتمادَ على تأويلات النبي صلى الله عليه و سلمَ و تَعْمِيْمُها على كُلِّ الرؤى مما لم يَسْتَحْسِنْه العلماءُ [انظر: " فيض القدير " (4/ 64)].
ثُم إنَّ هذا الصَّنيعَ منهم تَكْتَنِفُه آفتانِ كفيلتانِ ببيان الخطأ العظيم، و هما:
الأولى: أنَّ هذه التعابيرِ للرؤى هي قضايا عينية، بمعنى: أن تكونَ حكايةٌ لتعبيرِ رؤيا رآها شخصٌ، و ليس كلُّ رؤيين اتفقتا مِن شخصين يتفقُ فيهما تعبيرهما.
الثانية: أنها رُبَّما تكون إشاراتٌ عامةٌ، يُسْتَأْنَسُ بِها، و لا يُعتمَدُ عليها في تعبيرِ كلِّ رؤيا.
و ذلك لما بُيِّنَ مراراً بأنَّ عماد التعبير على حال الرائي.
الثاني: كتابةُ الرؤيا هل تنوبُ عَن حكايتها شفهياً؟
يُقالُ: قَد يكون ذلك، و لكن حينَ يكون الرائي مستوعباً رؤياه بشكلٍ كبيرٍ، حتى إنه لا يكاد يفوته شيءٌ منه، إلا أنَّ ذلك معلولٌ بأمرين:
أولهما: أنَّ حكايةَ الرؤيا للمُعَبِّرِ بصوتٍ مسموعٍ دون كتابةٍ يتحقَّقُ فيه الوقوفُ على حال الرائي، و السؤالِ عن أمورٍ تفيد، و خاصةً إذا اعتبرنا الأثرَ النفسي على الرائي المُحْدِثِ للرؤيا _ أحياناً _، و الأثرُ النفسي يظهرُ في الصوتِ و طرائقِ الكلام.
ثانيهما: أنَّ الكتابةَ تستقطبُ التركيزَ على الحروفِ و تنميقَ الكلمات، مما يجعلُ الرؤيا بعيدةً عَنْ سَوقها كما رؤيت، و يُعتَبَرُ في ذلك التعبيرُ بالألفاظ و ما يتبعها، بخلافِ ما لو كانت مَسُوْقَةً صوتياً دون كتابةٍ فإنَّ وصولها للمُعَبِّرِ أبلغ من وصولها مكتوبةً.
¥