وعن عشر ذي الحجة أو العشر الأخير من رمضان فأجاب أن الصواب أن يقال: ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان , وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي وعشر ذي الحجة إنما فضل باعتبار أيامه إذ فيه يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل قال: ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر وقال آخر: بل ليلة القدر أفضل فأيهما المصيب؟
فأجاب: ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة.
زاد المعاد (1
54) بتصرف
وسئل ابن القيم رحمه الله عن التفضيل بين الذاكر والمجاهد؟ فأجاب:
الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
الوابل الصيب (56)
ويقول ابن القيم رحمه الله في تقعيد هذه القاعدة المهمة وأهمية التفصيل في كثير من المسائل المشتبهة , وأهمية الرجوع إلى الخيار الثالث.
قال رحمه الله:
لا يجوز للمفتي إطلاق الفتوى في مسألة فيها تفصيل
الفائدة الثامنة عشرة: ليس للمفتي أن يطلق الجواب في مسالة فيها تفصيل إلا إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك الأنواع بل إذا كانت المسالة تحتاج إلى التفصيل استفصله كما استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا لما أقر بالزنا هل وجد منه مقدماته أوحقيقته فلما أجابه عن الحقيقة استفصله هل به جنون فيكون إقراره غير معتبر أم هو عاقل فلما علم عقله استفصله بأن أمر باستنكاهه ليعلم هل هو سكران أم صاح فلما علم أنه صاح استفصله هل أحصن أم لا فلما علم أنه قد أحصن أقام عليه الحد.
ومن هذا قوله لمن سألته هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال: نعم إذا رأت الماء.
فتضمن هذا الجواب الاستفصال بأنها يجب عليها الغسل في حال ولا يجب عليها في حال ومن ذلك أن أبا النعمان بن بشير سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد على غلام نحله ابنه فاستفصله وقال: أكل ولدك نحلته كذلك فقال لا فأبى أن يشهد وتحت هذا الاستفصال إن ولدك إن كانوا اشتركوا في النحل صح ذلك وإلا لم يصح.
ومن ذلك أن ابن أم مكتوم استفتاه هل يجد له رخصة أن يصلي في بيته فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأوجب فاستفصله بين ان يسمع النداء أولا يسمعه ...
ثم ذكر ابن القيم أمثلة على ذلك ثم قال:
والمقصود التنبيه على وجوب التفصيل إذا كان يجد السؤال محتملا وبالله التوفيق فكثيرا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم فالمفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوعة جدا فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإلا هلك وأهلك فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان بالحقيقة فيذهل بالصورة عن الحقيقة فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه وتارة تورد عليه المسالتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة فيفرق بين ما جمع الله بينة وتارة تورد عليه المسالة مجملة تحتها عدة أنواع فيذهل وهمه إلى واحد منها ويذهل عن المسئول عنه منها فيجيب بغير الصواب وتارة تورد عليه المسالة الباطلة في دين الله في قالب مزخرف ولفظ حسن فيتبادر إلى تسويغها وهي من أبطل الباطل وتارة بالعكس فلا إله إلا الله كم هاهنا من مزلة أقدام ومجال أوهام وما دعا محق إلى حق إلا أخرجه الشيطان على لسان أخيه ووليه من الإنس في قالب تنفر عنه خفافيش البصائر وضعفاء العقول وهم أكثر الناس و ما حذر أحد من باطل إلا أخرجه الشيطان على لسان و ليه من الإنس في قالب مزخرف يستخف به عقول ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له و أكثر الناس نظرهم قاصر على الصور لا يتجاوزونها إلى الحقائق فهم محبوسون في سجن الألفاظ مقيدون بقيود لعبارات كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس و الجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا و لو شاء ربك ما فعلوه فذرهم و ما يفترون و لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون}
¥