الثاني: أن لا يوجد في الباب غيره, وأن لا يكون ثمة ما يعارضه ("المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل", لابن بدران, ص 43).
ودليلهم في ذلك:
- أنّ الحديث الضعيف لمّا كان محتملاً للإصابة, ولم يعارضه شيء قوي جانب الإصابة في روايته فيعمل به.
- ولأنّ الحديث الضعيف أقوى من رأي الرجال ("أعلام الموقعين" لابن القيم 1/ 81 - 82).
وهو قول أبي حنيفة, ومالك, والشافعي, وأبي داود السجستاني.
وينسب هذا القول للإمام أحمد.
• القول الثاني: عدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً, لا في الأحكام, ولا في غيرها من الفضائل, والترغيب والترهيب.
ودليلهم في ذلك:
- أنّ الحديث الضعيف إنما يفيد الظنّ المرجوح, والله عز وجل قد ذم الظن في كتابه, كما في قوله تعالى: ?وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً?.
- ولأنّ في الأحاديث الصحيحة غنية عن الضعيف.
وهو قول يحي ابن معين, والبخاري, ومسلم, وأبي حاتم الرازي, وابن حزم, وابن العربي, وابن تيمية, وغيرهم.
• القول الثالث: الاحتجاج بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب, دون الأحكام والحلال والحرام, واشترطوا في ذلك أربعة شروط:
1 - أن يكون الضعف غير شديد, فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب, ومن فحش غلطه, وهو شرط متفق عليه ("القول البديع" للسخاوي, ص 258).
2 - أن يكون الضعيف مندرجاً تحت أصل عام, فيخرج ما يخترع, بحيث لا يكون له أصل معمول به أصلاً (تدريب الراوي", ص 196).
3 - أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته, لئلا ينسب إلى النبي ز بل يعتقد الاحتياط ("القول البديع" للسخاوي, ص 258).
4 - أن يكون موضوع الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ("علوم الحديث", ص 93).
ودليلهم في ذلك:
- ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بلغه عني ثواب عمل, فعمله حصل له أجره, وإن لم أكن قلته" (رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" وهو حديث موضوع, انظر: "تذكرة الموضوعات" للفتني, ص 28, و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني 5/ 6.
- أنّ الحديث الضعيف إن كان صحيحاً في نفس الأمر, فقد أعطي حقه من العمل به, وإلاّ لم يترتب على العمل به تحليل ولا تحريم, ولا ضياع حق للغير ("الفتح المبين في شرح الأربعين" لابن حجر الهيتمي, ص 36).
وهو قول جمهور العلماء.
قال النووي رحمه الله: "قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم, يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف, ما لم يكن موضوعاً, وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق, وغير ذلك, فلا يعمل فيها إلاّ بالحديث الصحيح أو الحسن" ("الأذكار" للنووي, ص 13).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: "أحاديث الفضائل تسامح العلماء قديما في روايتها عن كلٍّ, ولم ينتقدوا فيها كانتقادهم في أحاديث الأحكام" (جامع بيان العلم وفضله 1/ 53).
• ومن الآثار المروية عن السلف في التساهل في رواية الحديث الضعيف في باب الرقائق والفضائل:
- عن عبدة بن سليمان، قال: قيل لابن المبارك، وروى عن رجل حديثاً، فقيل: هذا رجل ضعيف، فقال: "يحتمل أن يروى عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء".
قال أبو حاتم الرازي: قلت لعبدة: مثل أي شيء كان؟ قال: " في أدب، في موعظة، في زهد، أو نحو هذا" (أخرجه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 30).
- وعن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله، قال: "إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام شدّدنا في الأسانيد, وانتقدنا الرجال, وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب والمباحات والدعوات، تساهلنا في الأسانيد" (أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 34, والخطيب في "الجامع", رقم 1267).
- وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: "الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً, ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص، وجب الإغماض عنه والتساهل في رواته" (أخرجه الخطيب في "الكفاية").
• معنى العمل بالحديث الضعيف في الفضائل:
¥