تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عناصر الدّين الأوليّة الّتي هي الكتاب والسنّة على مقتضى فهوم الأوّلين من علماء الإسلام الذين إذا تكلموا على العقائد بيّنوها وبيّنوا مآخذها وأدلّتها، وشرحوا ما أذن لهم في شرحه، وتوقّفوا فيما لا مجال للعمل فيه، أو ردّوه إلى ما وضح معناه وظهر مغزاه» (2/ 27).

ثانيا: الفقه وبدعة التعصب المذهبي

رغم أنّ الشيخ قد نشأ بين المالكيّة وتعلّم منهم فإنّه لم يكن من جنس المتفقّهة المتأخّرين الّذين عُرِفوا بالتعصّب المذهبيّ وإهمال الاستدلال، وردّ السّنن الصّحيحة، بل كان عالما مجتهدا متمكّنا من علم الأصول، وقد ظهرت غلبة هذا العلم عليه سواء عند توظيفه لاصطلاحات العلم، أو عند استدلاله على المسائل (انظر بدعة الطرائق 22)، وكان رحمه الله تعالى مفتيا مجتهدا مرجّحا بين المذاهب، ومخرّجا ومنظّرا في مسائل النّوازل، ومعتمدا في كلّ ذلك على الأدلّة الشّرعية الكتاب والسنة، ومعظّما لأهل الحديث ناقلا لآرائهم ومستندا إلى استدلالهم (انظر "المقالات" (2/ 121،124،125،130،134،136)، والاعتماد في الفتوى على الحديث وتبويبات المحدّثين أمر خارق للعادة في مثل العصر الذي كان فيه الشيخ رحمه الله تعالى، وإنه لأمر يُنبِئ عن اقتناع

عميق بمبدأ المدرسة الإصلاحيّة السّلفية، ولم يكن داعيا إلى إهمال أقوال العلماء كما ينسبه البعض إلى رجال الإصلاح تشنيعا عليهم وصدّا للناس عن اتّباعم والاستماع إلى كلامهم، بل كان مستنيرا بها مهتديا بها، وسبق نقل كلامة في ذلك.

وكان في فتاويه مراعيا- إلى جانب النصوص- مقاصد الشريعة الغراء ومتبنيا مبدأ سد الذريعة (2/ 142،143)، ومعتبرا لمقاصد المكلفين (2/ 118،119،140) وقد شهد له ببعض هذه المعاني التي ذكرنا المؤرخ أحمد توفيق المدني الذي قال عنه:» وهو من المراجع الكبرى في الفتوى في الجزائر، فقد كان رئيس لجنة الفتوى في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان الشيخان ابن باديس والإبراهيمي يبعثان إليه برسائل الفتاوى الفقهية الواردة إليهما فيجيب عنها في جريدة البصائر، فقد كان راوية لمذهب الإمام مالك لا يجاريه في هذا الفنّ مُجَارٍ مع اطّلاع واسع على المذاهب الأخرى دون تعصّب مذهبيّ، فإذا استفتي في مسألة يذكر أقوال غيرهم وأدلّتهم من المذاهب الأخرى دون تعصّب ولا تزمّت «.

للشّيخ التبسّي كلمات قويّة في ردّ بدعة التعصّب للمذاهب الّتي أماتت الأفكار، ومنعت من تفسير كلام الله تعالى، ومن الاحتجاج بسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلم فكان ممّا قاله: «وقد رأينا هذا الزاعم يقول إنّ الأخذ بظواهر أقوال النبيّ صلّى اله عليه وسلّم وأعماله اجتهاد، والاجتهاد قد انقضت أيّامه وماتت رجاله، وبذلك يجب على المسلمين أن يتركوا كلّ آية من الكتاب، وكلّ قول وعمل من رسول الله، ولا يهتدون بشيء من كتاب ربّهم ولا من سنّة نبيّهم، وعليهم أن يقتصروا على ما كُتِب في الفروع، يحلّون ما أحلّت، ويحرّمون ما حرّمت، ويوالون من والت ماداموا غير مجتهدين. هذه هي مقالة هذا المفتي المزهّدة في كتاب الله، الصادّة عن سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهي باطلة بإجماع المسلمين من يوم أن بعث نبيّهم إلى اليوم، ذلك أنّ العوامّ والعلماء يعملون بأقوال النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأعماله من غير توقّف على أحد منهم لوصولهم إلى رتبة الاجتهاد، وهذا أمر معلوم من عصر الصّحابة إلى اليوم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل» (2/ 132).

وقال أيضا رحمه الله تعالى: «ردّ السّنن النبويّة قوليّة أو عمليّة لمجرّد مخالفتها لمذهب من المذاهب محادّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم،…وعصيان أيضا لوصايا أئمّة الإسلام الثّابتة عنهم بأصحّ أسانيد أصحابهم إليه، وفي مقدّمة أولئك الأئمّة مالك بن أنس رحمه الله الّذي روى عنه أصحابه، كمعن بن عيسى أنّه كان يقول: إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنّة فخذوه، وكلّ ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .. وكم له من عبارات في هذا المعنى منادية بعرض أقوال الرّجال على سنة خير الأنام، ولكن وصاياه عطّلها، بل نبذها الخلف الذي انتسب إليهم -بعد ألف سنة أو تزيد-انتسابا لو قُدِّر لمالك رحمه الله أن يُبعَث حيًّا من قبره لقال في نسبة هذا الرّهط إليه المخالفين لوصاياه المعطّلين لروح مذهبه ما قال عيسى ? في أولئك الذين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير