تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(يلزمه حسنُ الصبر و قلة الشكوى و الضجر، و استشارة طبيب حاذق عالم بأصول نواميس الصحة، دارس لقواعد الطب، و التداوي بما يشير به، وقوفا مع الأسباب التي وضعها المولى جل شأنه، ثم التوكل بعدها في الشفاء عفليه سبحانه.

و يلزم في كل الأمراض الراحة جسدا وعقلا، فيسكن عن الدروس والمصالح التجارية، و يلزم أن تكون غرفة المريض غير معرضة للأصوات، لئلا تزعج المجموع العصبي، وأن تكون نظيفة، يشرح الصدر منظرُها، فإن المنظر الكريه يزعج المريض وزيد في ألمه، و يلزم أن تكون غرفة المريض واسعة، يدخلها هواء كاف، و أن يكون أثاثها قليلا، لئلا ينحبس فيها هواء فاسد، و أن لا يكون نورها قويا، لئلا يهيج دوران الدم في الدماغ، و أن يساعد على تهويتها دائما، ليتنفس المريض نقي الهواء، فيدور الدم في الجسم نقيا فيقوى، فتشتد قوة المزاج على مدافعة المرض، فإن الهواء الفاسد في غرفة المريض يطيل الداء، وقد يميت العليل تدريجيا.

ويؤخر فراشه شيئا ما عن نافذة الهواء، و تُهوى أمتعته و فراشه يوميا، و أن لا يتناول دواء و يذوقه إلا بإشارة طبيب ماهر -كما قدمنا- فلا يصغي لمن يصف دواء و هو غير طبيب، إذْ لا يجوز لغير حكيم وصف دواء (1)) اهـ.


(1) و قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
(من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن). رواه أبوداود و النسائي و غيرهما عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما.
و حسنه العلامة الألباني في (صحيح الجامع).

و هذه فتوى مهمة و دقيقة للعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ من (مجموع فتاويه):
(إذا عالج الطبيب مريضاً وحصل من علاجه تلف،هل يحاكم الطبيب؟)
السؤال:
ما إذا عالج الطبيب مريضاً، وحصل من علاجه تلف في الطرف أو في النفس ونحو ذلك، ثم ادعى على الطبيب بتعمد أو تفريط وطلب حضوره معه للمحاكمة.
فالجواب:
(أنه لا مانع شرعاً من محاكمة الطبيب، لأنه كغيره من الناس، سواء حضر بنفسه أو وكل عنه وكيلاً.
وإذا حوكم على أصول شرعية فقد تثبت براءته، وقد يُدان، وإذا أُدين فليس عليه غير الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وعليه الدية، وتحملها العاقلة إذا بلغت الثلث فأكثر؛ هذا إذا لم يتعمد.
وجنس محاكمة الطبيب وتضمينه إذا تعدى أو فرط منصوص عليها في كلام العلماء؛ والأصل فيها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن ". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
فهذا الحديث الجليل يفيد بمنطوقه ومفهومه أن الذين يعالجون الناس ينقسمون إلى أقسام:
القسم الأول: ما أفاده منطوق الحديث وهو: أن من تعاطى مهنة الطب وهو جاهل فهو ضامن كل ما تلف بسببه من النفس فما دونها؛ وهذا بإجماع أهل العلم؛ ويكون ضمانه بالدية ويسقط عنه القصاص؛ لأنه لا يستبد بالمعالجة بدون إذن المريض، لكن إن كان المريض يعلم منه أنه جاهل لا علم له بالطب وأذن له في معالجته مقدماً على ما يحصل منه وهو بالغ عاقل فلا ضمان على الطبيب في هذه الحالة.
القسم الثاني -عكس الأول –:وهو ما أفاده مفهوم الحديث وهو:
ما إذا كان الطبيب حاذقاً وأعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده أو يقصر في اختيار الدواء الملائم بالكمية والكيفية، فإذا استكمل كل ما يمكنه ونتج من فعله المأذون من المكلف أو ولي غير المكلف تلف النفس أو العضو فلا ضمان عليه اتفاقاً، لأنها سراية مأذونة فيه كسراية الحد والقصاص.
القسم الثالث: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، ولكنه أخطأ في إعطاء الدواء أو في صفة استعماله، أو جنت يده إلى عضو صحيح فأتلفته، أو مات بسببه، مثل: أن يعطيه من البنج أكثر مما يستحق، أو قبل أن يفحص المريض ويعرف مقدار ما يتحمله بدنه، ومثل ما إذا جنى الخاتن على حشفة المختون، أو تعدى القلاّع إلى ضرس صحيح فقلعه يظنه الضرس المختل، ونحو ذلك مما ذكره العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ فهذا الطبيب جنى جناية خطأ لا يمكن أن تهدر، بل هي مضمونة، فإن كانت أقل من ثلث الدية ففي مال الطبيب خاصة، وإلاّ فعلى عاقلته، والله يحفظكم) اهـ.

ـ[علي الفضلي]ــــــــ[16 - 06 - 09, 06:44 ص]ـ
و قال في (أدب الطبيب):
(قال الحكيم داود الأنطاكي في مقدمة "تذكرته":
يجب على الطبيب إتقان العلوم التي تتوقف الإصابة في العلاج عليها، و أن يكون متينا في دينه، متمسكا بشريعته، دائرا معها حيثما دارت، نسبته إلى الناس بالسواء، خليّ القلب من الهوى، لا يقبل الارتشاء، ولا يفعل ما يشاء، ليؤمنَ معه الخطأ، وتستريح إليه النفوس من العناء.
وهاك صورة العهد الذي كان يأخذه أبقراط رئيس هذه الصناعة على متعاطي الطب، كان يقول له:
قل برئت من قابض أنفس الحكماء، وفيّاض عقول العقلاء، ورافع أوج السماء، مزكي النفوس الكلية، و فاطر الحركات العلية، إن خبّأت نصحا، أو بذلت ضرا، أو كلفت شرا، أو تدلست بما يغم النفوس وقعه، أو قدمت ما يقل عمله، إذا عرفت ما يعظم نفعه.
و عليك بحسن الخلق بحيث تسع الناس، ولا تعظّم مرضا عند صاحبه، و لا تسرّ إلى أحد عند مريض، و لا تجس نبضا وأنت عابس، و لا تخبر بمكروه، و لا تطالب بأجر، و قدّم نفع الناس على نفعك، و استفرغ لمن ألقى إليك زمامه ما في وسعك، فإن ضيعته فأنت ضائع، و كل منكما مشتر وبائع، و الله الشاهد عليَّ وعليك في المحسوس والمعقول، و الناظر إليّ و إليك و السامع لما نقول، فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه، إلا أن يخرج عن أرضه و سمائه، و ذلك من أمحل المحال، فيسلك المؤمن سبيل الاعتدال.
قال الحكيم داود:
قد كانت اليونان تتخذ هذا العهد درسا، و الحكماء مطلقا تجعله مصحفا) اهـ.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير