تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بفاعل العبادة للوثن من أعظم المبالغة والزجر» (4 - «نيل الأوطار» للشوكاني: (10/ 129).).

ومثله قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ» (5 - أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب «التوحيد»، باب قول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة: (6998)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، وانظر «ظلال الجنة في تخريج السنة» للألباني: حديث رقم: (461).)، قال ابن أبي العزِّ: «وَليس تشبيه رؤية الشمس والقمر تشبيهًا لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي» (6 - «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز: (1/ 219).).

فلذلك لم يطلب القوم الشرك الأكبر يقينًا، وإنما طلبوا أن تكون لهم شجرة ينوطون بها السلاح، ويستمدُّون من الله بها البركة والنصر، ولا يستمدُّون منها، لقيام الفرق بين طلب النصر والقُوَّة والبركة من الشجرة، وهو شركٌ أكبرُ، لصرف عبادة الدعاء والسؤال لغير الله تعالى، وبين الطلب من الله ذلك عندها أو بسببها، فهذا إنما يدخل في البدعة والشرك الأصغر، فشأنه كمن يعبد اللهَ وحده لا شريك له عند القبور، فهذا مُوَحِّدٌ لم يشرك بالله غيرَه، إلاَّ أنه مبتدعٌ؛ لأنه فضَّل مكانًا بغير مستنَدٍ شرعيٍّ، فانتقل من السُّنَّة إلى البدعة، وضمن هذا المعنى يقول ابن تيمية -رحمه الله-: «ولما كان للمشركين شجرةٌ يعلقون عليها أسلحتهم، ويسمونها ذات أنواط، فقال بعض الناس: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ?اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ?، إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (7 - سبق تخريجه.)، فأنكر النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مجرَّدَ مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلِّقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين، أو هو الشرك بعينه؟

فمن قصد بقعةً يرجو الخيرَ بقصدها، ولم تستحِب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشدُّ من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء، أو قناة جارية أو جبلاً أو مغارة، وسواء قصدها ليُصليَ عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسَّك عندها، بحيث يخصُّ تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يُشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينًا ولا نوعًا» (8 - «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية: (2/ 157 - 158).).

فالحاصل أنَّ أصحابَ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لم يطلبوا الشركَ الأكبرَ وإنما طلبوا مجرَّد المشابهة حيث قالوا: «اجعل لنا ذات أنواط»، فإنه يشبه قول بني إسرائيل: «اجعل لنا إلهًا»، فاتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله لا أنه هو بنفسه، فحذَّرهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وغلَّظ عليهم مع أنهم طلبوا ولم يفعلوا، والتغليظ كما يرد في الشرك الأكبر يرد -أيضًا- في الشرك الأصغر، فمثله: قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في قول من قال له: «ما شاء الله وشئت»، فقال: «أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟» (9 - أخرجه أحمد في «مسنده»: (1842)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (5906)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث حسّنه العراقي في «تخريج الإحياء»: (3/ 128)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (139).)، فكان في زجره صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لهم عن هذه المشابهة خشية أن يؤول أمرها إلى الشرك الأكبر، فقطع مادة المشابهة من أساسها وجذورها حملاً لهم على السُّنَّة والمعتقد السليم؛ لأنَّ البدع بريد الشرك الأكبر.

قال الشوكاني ?رحمه الله?: «ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور، فأخبرهم صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنّ ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهةٍ غير الله تعالى» (10 - «الدر النضيد» للشوكاني: (9).).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 5 شعبان 1429ه

الموافق ل: 06 أوت 2008م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير