تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن النصوص قد تواترت على وجوب الحجاب والستر، والمباعدة بين الرجال والنساء، وغض البصر.

وحذرت من الفتنة بالنساء، وسدت كل الذرائع المفضية إلى ذلك.

وحرمت الخلوة بالمرأة، والدخول عليها، وسفرها من غير محرم،

و الخضوع بالقول، و إظهار ما يخفى من زينتها، ولو كان في أسفل القدم،

إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في الكتاب والسنة الصحيحة.

ومعلوم أنه إذا حرم الأدنى والأخف، في " الضرر و الفتنة "، حرم الأعلى والأشد، من غير شك ولا مرية.

فكان تحريم المصافحة ومس الشعر

والتلاصق، بأي صفة كانت، في ركوب الدواب، أو في غير ذلك، أظهر في المنع وأولى بالتحريم.

وقد وردت نصوص مشتبهات، قد يفهم منها إباحة تلك المحرمات، فماذا نصنع؟

هل نقضي بها على المحكمات البينات، فنكون من أهل الزيغ والفتنة، الذين قال الله فيهم {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}؟

أم نرد المتشابه إلى المحكم، ونكون في زمرة الراسخين في العلم الذين يقولون {آمنا به كل من عند ربنا}؟

روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " [ح 4547].

و ذكر الحافظ في الفتح [8/ 211]

أن أول ما ظهر في الإسلام من اتباع المتشابهات من النصوص، كان بفعل الخوارج، وقد فسر ابن عباس بهم الآية.

قلت: فتبين أن استدلال " المختلط " بحديث " الشبهات " حجة عليه، لا له، كما هو ظاهر لكل عاقل.

وهذا يقودنا إلى الكلام على مسألة "الاستدلال "، التي خلط فيها كل المخالفين، من القرون الأولى حتى عصرنا الحاضر.

* وذلك أن المستدل بنص من القرآن والحديث، يلزمه أن ينظر أولا إلى فهم السلف لهذه النصوص، فإنهم أعلم وأحكم ممن جاء بعدهم، على وجه العموم، بدءا بالصحابة، ثم التابعين، ثم تابعيهم. . وهلم جرا.

أما الاستقلال بالنظر في النصوص وأخذ الأحكام منها، دون الرجوع إلى فقه سلف الأمة، فإنه سبيل أهل الزيغ والفتنة.

ولم تظهر الفرق في هذه الأمة إلا بالاستقلال بالنظر والتفقه في النصوص، دون الرجوع إلى فهم السلف.

وقد استدل الخوارج بآيات من القرآن، لكنهم لم يفهموها فهم الراسخين من علماء الأمة،

فضلوا وأضلوا.

هذا مع أنهم وصفوا في الأحاديث الصحيحة بصفات لم يحظ بها جل من جاء بعدهم من المخالفين.

منها: كثرة القراءة، والاجتهاد في الصلاة والصيام والعبادة.

وضلت القدرية بعد أيضا، بسبب استقلالها في فهم نصوص القرآن في القدر، دون الرجوع إلى فهم الراسخين من السلف.

وكل الفرق بعد ذلك، إنما كان ضلالها بسبب خطئها في الاستدلال.

فليس العبرة بصحة الدليل، فحسب، بل لا بد من صحة الاستدلال به على المطلوب.

ومن ثم وضع الأئمة المصنفات في أصول الفقه والتفسير والحديث، حتى تضبط العلوم بضوابط وقواعد، منعا من التخبط والشطط، والخلط في الفهم والاستنباط.

وأول من وضع قواعد العلوم الشرعية، الإمام الشافعي (ت 204)

في كتاب " الرسالة "، بطلب من الإمام عبدالرحمن بن مهدي.

ثم تتابعت بعد ذلك مصنفات الأصول والقواعد، في الفقه والتفسير والحديث، وأفردت لها مصنفات مستقلة.

فمن رام فهم نصوص الوحي والاستدلال بها دون الرجوع إلى فهم الراسخين في العلم بها، ودون التقيد بقواعد العلوم وأصولها، فإنه سيختلط عليه الحق والباطل، وستلتبس عليه الأمور، كما التبست على من سبقه من أهل الزيغ والضلال.

و لهذا فقد تواتر عن علماء الأمة نصوص في وجوب اتباع مذهب السلف الأولين، و التحذير من اتباع أهواء المضلين.

فقال ابن مسعود " من كان مستنا فليستن بمن قد مات. . ".

وقال غيره " عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. . ".

وقال آخر " من انسدت عليه أبواب مذهب السلف الحق، عميت عليه أنباء التحقيق ".

وقال كثير من المتأخرين " كتاب وسنة، بفهم سلف الأمة ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير