تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ» (9 - أخرجه مسلم كتاب: «البر والصلة والآداب»: (2/ 1203)، رقم: (2594)، من حديث عائشة رضي الله عنه)، فكان سلفنا حقًّا أعلم الناس بالحقِّ وأرحمهم بالخلق.

هذا، وعلى منأى من هذه الصورة الصادقة للسلالة الخيِّرة علمًا وأدبًا، نَبَتَ في هذا الجيل شباب تتلمذوا على أنصاف الفقهاء، أو أخذوا من الكتب والأشرطة والوسائل الأخرى، أو تتلمذَ بعضُهم على بعضٍ، بعيدًا عن مجالس العلم ومحاضن الأدب حيث فُسِحَ لهم مجال الخوض في أعراض الدعاة والمشائخ والأئمة عبر شبكات التشهير والتعيير بلا أَخْطِمَةٍ ولا أَزِمَّةٍ بدعوى النصيحةِ، وكَثُرَ التعالم واشتدَّ الغرورُ، وبلغَ القَدْحُ في الأعراضِ أَوُجَّهُ وذروته، وقلَّ الأدبُ، واضطربتِ الحقائقُ، وانحرفت في أذهانِ العديدِ منهم المفاهيمُ الشرعيةُ، واختلَّ التوازنُ العقلي، وآثروا أن يجعلوا أنفسهم أبواقًا للفتنة ومَطيةً لصدِّ طريقِ الإصلاحِ، فظهر الفسادُ ولَمَّا ينتشر .. والحمد لله على مَنِّه وفضله، وصدَقَ من قال: «أكثر ما يفسد الدنيا: نصفُ متكلِّم، ونصفُ متفقِّهٍ، ونصفُ متطبِّب، ونصفُ نحوي، هذا يُفسدُ الأديانَ، وهذا يُفسدُ البلدانَ، وهذا يُفسدُ الأبدانَ، وهذا يُفسدُ اللسانَ» (10 - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (2/ 729 - 730)).

إنَّ أدعياءَ النصيحة لا يجعلون منها سبيلاً لكسبِ قلوب المؤمنين ولا لإنارة عقولهم، وأنَّى لهم ذلك؟! إذ فاقدُ الشيء لا يُعطيه، وإنما يجعلونها سبيلاً لكسب المواقفِ واحتلال المناصب على الساحةِ الدعويةِ، يتصيَّدون العَوْرَاتِ وَالسَّقَطَاتِ وَالثَّغَرَاتِ وَالعَثَرَاتِ، فيحرِّرون لها الكلماتِ الساقطةَ المُوَرِّثَةَ للأحقادِ والعداواتِ، فيحصدون الأخضر واليابس، والأحياء والأموات، بُغيةَ انفكاكِ العُرى وتلاشي التعاونِ الأخوي المبني على البِرِّ والتقوى، موظِّفين أقلامَهم بالأسلوبِ الأغلظِ والتعبيرِ الفَظِّ لِيَصُبُّوهُ في قوالبَ من التعييرِ والتشهيرِ والتنكيلِ والفضيحةِ باسم النصيحةِ، وتدفعهم شهواتُ الانتقامِ وتحرِّكهم عواملُ الحسدِ والاستعلاءِ والرغبةِ الملحَّة في دفنِ كلِّ فضلٍ عظيمٍ وطمسِ كلِّ خيرٍ عميمٍ جريًا على ما قال الشاعر:

صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ

فَطَانَةٌ فَطِنُوهَا لَوْ تَكُونُ لَهُمْ

إِنْ يَسْمَعُوا سَيِّئًا طَارُوا بِهِ فَرَحًا

وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

مُرُوءَةٌ أَوْ تُقًى للهِ مَا فَطِنُوا

مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا (11 - البيت لقعنب بن أم صاحب يهجو بني ضبة حي من غطفان. [انظر: «بهجة المجالس» لابن عبد البر (337)])

إنَّ نزعاتِ الأهواء التي تغذِّيها جهاتٌ لا ترعى للدعاةِ حرمةً ولا لمعارفهم وزنًا، قد ظهرت معالمها وانكشفت بصماتها للعيان جليةً في وحشةِ الشباب وجفائه، تعملُ بقصدٍ أو بدون قصدٍ على فصل الأمَّةِ عن الدعوةِ إلى الله بِنَزْعِ الثقة في الدعاة والعلماء والمشائخ، والقضاءِ على أثرهم الاجتماعي والتربوي والتوجيهي، ودفنِ آثارهم العلمية ومخلفاتهم التربوية، ومقابلةِ ذواتِهم بِسُمِّ التجريح والتقبيح، ومحاسِنِهم بمرض التهوين والانتقاص وتشكيك الجيل في جَدَارتهم وريادتهم ليصلُوا إلى إفقادهم الهيبةَ وجعلِهم محلَّ التهمة، متَّخذين في ذلك معاولَ الكتابات والشبكات ليفرغوا فيها مقاول الخصومات والطعونات ومساوي الشتمات واللعناتِ بدعوى النصيحةِ للخَلْق والنصرةِ للحقِّ، ومتى كانت شبكات التشهير والتعيير سبيلاً للانتفاع بالنصيحة في ميدانها الدعوي والتعليمي والإعلامي، وقد عزلت عن نفسها الأسلوب القرآني القاضي بدعوة الناس بالحكمة والرفق والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؟؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير