وبعد هذا السياق يتضح أن احتفال المسلم بعيد الميلاد له أو لأحد من أولاده لا يخرج عن ارتكاب المحظور بهذه العلل الثلاث أو ببعضها، وقول الشيخ عفا الله عنه أنه لا بُعد عقائدي لهذا العيد لا يسلّم له بعد أن تبين أن موافقة الكفار في نوع هذا العيد هو بُعد عقائدي.
العلة الثانية: التخصيص:
ومعناه: أن تخصيص زمان من هذه الأعياد (الميلاد أو غيره) باجتماع راتب، أو أعمال، أو عبادات، يعتبر تعظيماً لهذا اليوم وتخصيصاً له من غير مخصِّص، والأزمنة المعظمة محددة في الشريعة الإسلامية لا يزاد عليها إلا بدليل، ولو أحدثنا أزمنة كالميلاد وغيره ضاهينا بذلك الأعياد الشرعية التي تنتظرها النفوس بشغف، وزاحمناها، ولذا فإن الشريعة الإسلامية نهت عن تخصيص شيء من الأزمنة بتعظيم إلاماخصته، حياطة للشعائر الإسلامية أن يدخل عليها ما يزاحمها ويضعف أثرها في النفوس، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم} (13).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم} (14).
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
فوجه الدلالة: أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
1. قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء.
2. وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين.
3. وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان.
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده.
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد، أو لا ينهى عنه، كيوم عرفة وعاشوراء، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات، وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لاخصيصة له، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي، كما في قوله {خالفوا المشركين} (15) فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص.
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره، ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره، لها فضيلة على غيرها من الليالي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص.
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم، ولا فضل فيه في الشرع، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.
وهذا المعنى موجود في مسألتنا، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه، نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها، هذا اعتقادي، ومع ذلك فأنا أخصها، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره، وإما اتباع العادة، وإما خوف اللوم له، ونحو ذلك، وإلا فهو كاذب، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد، أو باعثاً آخر غير ديني، وذلك الاعتقاد ضلال.
ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال، وتلك الأحوال أيضاً باطلة ليست من دين الله.
¥