فليس دليلاً على الجواز كون من فعله لا يسميه (عيداً) فهو عيد لغة وفي الاصطلاح الشرعي.
قال في لسان العرب: ابن الأعرابي: سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد " (22).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك " (23).
فعيد الميلاد يعود (كل سنة) في (توقيت معين) و (مقصود لذاته) أي لكونه اليوم الذي ولد فيه الشخص، ويكون فيه من الأعمال والاجتماع والفرح ما يكون نوعه في العيد المشروع، فيكون بهذا آخذاً صبغة العيد تماماً، فإحداثه إضافة عيدٍ في حياة المسلم وتشريع لم يأذن به الله.
الوقفة الخامسة:
قول الشيخ: ( ... وبعضهم لا يلتزم أن يجعل الاحتفال في اليوم ذاته، فقد يكون قبله أو بعده ... )
ولعل الشيخ - وفقه الله - وهو المحب لقلم ابن تيمية -كما قال - غاب عنه أو نسي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع وهو أن حريم العيد من العيد، فأنا أذكِّره بكلامه:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " العيد اسم جنس، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك، وكذلك حريم العيد وهو ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال، حكمها حكمه، فلا يفعل شيء من ذلك " (24).
الوقفة السادسة:
أخشى أن يُلزم الشيخ بجواز الاحتفال بالمولد النبوي خصوصاً إذا ادعى مدعٍ أنه لا يتعبد الله بالمولد النبوي وإنما يقيمه (احتفاءً) بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يحتفى بمناسبات الزعماء الشخصية والوطنية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك، فلعل الشيخ يراجع نفسه والمؤمن رجّاع إلى الحق إذا تبين له.
لذا فإن هذه المسألة وغيرها من المسائل العامة للأمة لا ينبغي التسرع في إعطاء رأيٍ فيها مالم يكن قد حققها الإنسان تحقيقاً يطمئن له قلبه، وأحسب أن كثيراً من الدعاة والمشايخ شغلوا بالدعوة والإعلام عن العكوف على تحقيق المسائل العلمية.
وأخيراً: إذا كان الشيخ سلمان وغيره من الدعاة يسعى للإصلاح و (جمع الكلمة) فإن سريان البدع في الأمة من أعظم أسباب الفرقة فإن الله تعالى أفرد الحق وعدد الباطل بقوله جل شأنه (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [الأنعام 153]، والمتعين على الداعية إذا رأى تساهل الناس في أمرٍ ما أن يأخذهم بالحزم لا أن يبحث عن سبيل رخصة بدون دليل، ولهذا كانت سنة عمر رضي الله عنه من أبدع السنن في حياطة الدين من تساهل المفرطين، قال ابن عباس رضي الله عنهما (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم) (25)، قال شيخ الإسلام رحمه الله " ولاريب أنه إذا كثر المحظور احتاج الناس فيه إلى زجر أكثر مما إذا كان قليلاً " (26).
وختام المسك ومسك الختام فهذه فتاوى علمائنا رحمهم الله في أعياد الميلاد أتحف بها القراء الكرام:
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن إقامة أعياد الميلاد فأجاب:
الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد) متفق على صحته (27).
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج فأجاب: " ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان، والعاشر من شهر ذي الحجة، عيد الأضحى، وقد يسمى يوم عرفة عيداً لأهل عرفة، وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى، وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده، أو مناسبة زواج ونحوها، فكلها غير مشروعة، وهي للبدعة أقرب من الإباحة " (28).
¥